هل ستقود كامالا هاريس بايدن إلى التقاعد أم إلى البيت الأبيض؟

العاصمة بريس-الرباط
بعد طول انتظار أعلن جو بايدن أنه اختار السيناتورة كامالا هاريس لتكون نائبة رئيس الولايات المتحدة في حال فوزه في الانتخابات، ولتكون بذلك أول شخصية من أصول ملوّنة في هذا المنصب، ولهذا الاختيار أهمية استثنائية، فهذا الموقع يجعلها الشخص الأول في خلافة الرئيس في حال وفاته أو عجزه أو استقالته أو إقالته، كما أنها ستتولّى بذلك الكثير من المهام الرئاسية عند غياب الرئيس وستكون عضوا في مجلس الأمن القومي كما أنها ستعتبر رئيسا لمجلس الشيوخ، ويحق لها التصويت عند تعادل الأصوات بالإضافة إلى الكثير من المهام.
ويكتسب هذا الموضوع أهمية خاصة لأنه في حالة فوز بايدن سيكون عند استلامه المنصب في عمر 78 عاما أي أكبر من أي رئيس في التاريخ الأميركي، وربما نتيجة لذلك أشار أحد استطلاعات الراي إلى أن 59 في المائة من الأمريكيين يعتقدون أنه من غير المرجّح أن يكمل ولايته الأولى، كما برزت خلال حملته الانتخابية مجموعة ملاحظات حول أدائه، منها أن قطار أفكاره كان يخرج دوما عن السكة، وبصعوبة بالغة كان يتمكن من صياغة عبارة ذات معنى، كما قال نك برايانت، وهو كاتب ومراسل صحفي بريطاني.
وتابع برايانت: ونتيجة لذلك فقد أبلى بايدن بلاء حسنا في الولايات التي لم يقم بحملات فيها، حيث يبدو أنه كلما رآه الناخبون قلّ احتمال تصويتهم له، وكان إغلاق كوفيد بمثابة هدية لحملته، فقد أعطته عذرا للاختفاء واتباع استراتيجية المخابئ. وتأكيدا على شيوع مثل هذا الانطباع عند الرأي العام الأميركي، فقد أشار استطلاع اخر أن 38 في المائة من الناخبين يعتقدون أن لدى بايدن درجة ما من ديمينشيا أي تراجع في الوظائف العقلية ناجم عن التقدم في السن.
وعبّر توماس فريدمان عن التخوّف من الانعكاسات السلبية للظهور الإعلامي لبايدن في مقالة في نيويورك تايمز، قدم فيها اقتراحات تعطي لبايدن الذريعة لإلغاء المناظرات الرئاسية، عبر اشتراط أن يقدم ترامب إقراراته الضريبية قبل المناظرة وأن يتم تعيين فريق تقصّي حقائق مستقل يقدم قبل اختتام المناظرة تقريرا عن أي أرقام أو بيانات كاذبة أوردها أحد المرشحين، وإذا رفض ترامب هذه الشروط فهذا يعني أنه هو من ألغى المناظرات، لأن فريدمان يعتقد أن مناظرة بايدن مع ترامب التي ستشهد حضورا واسعا نتيجة الغياب الذي فرضه كورونا والتي سيكون تأثيرها كبيرا على خيارات الناخبين ستكون غير عادلة.
وضمن هذه المعطيات أعطى اختيار كامالا هاريس، المقاتلة القوية والسريعة البديهة كما ظهرت في مناظراتها الانتخابية واستجواباتها في مجلس الشيوخ، زخما قويا لحملة بايدن الانتخابية، وانعكس حماس حملة بايدن في بعض القلق عند حملة ترامب، فقد قال بعض أنصاره أن أفضل رد على هذا الترشيح هو أن يختار ترامب مندوبة الولايات المتحدة السابقة في الأمم المتحدة نيكي هيلي لمنصب نائب الرئيس لما تتمتع به أيضا من قوة، كما توقّع آخرون أن يكون وضع ترامب وبنس في المناظرات مع بايدن وكامالا أكثر صعوبة من مناظرات انتخابات عام 2016 مع هيلاري كلينتون ونائبها تيم كين.
وفي اختياره هذا، أوصل بايدن مجموعة من الرسائل، منها أنه لن يكون أوباما آخر وربما لذلك لم يختر سوزان رايس مستشارة أوباما للأمن القومي رغم أنها صاحبة خبرة طويلة في أمور السلطة التنفيذية والعلاقات الدولية، ولكن ذلك أيضا ترك انطباعا بأن العلاقة بينه وبين أوباما ليست نموذجية بالشكل الذي يحاولون إظهاره.
فقد ذكر تقرير ليوليتيكو أن أوباما أعرب عن شكوكه بشأن لياقة بايدن، وأن بعض مستشاري أوباما خلال رئاسته كانوا بتشجيع ضمني من سلوكه تجاه بايدن ينظرون إليه كطراز قديم من السياسيين، أو العم الكبير الذي يكرر قصصا يعرفها الجميع، وأن بعض موظفي إدارة أوباما كانوا يدوّنون في دفاتر ملاحظاتهم عبارات تدل على عدم قبول بايدن، وفي المقابل لام بعض مساعدي بايدن أوباما لأنه لم يبدو بنفس الحماس في دعم بايدن كما كان في دعم هيلاري عام 2016.
كما أكد بايدن باختيار هاريس على انتمائه للخط الوسطي المعتدل في الحزب الديموقراطي، البعيد عن اليسار الجديد الذي يمثله بيرني ساندرز وسوزان وارن، وهذا قد يساعده في كسب نسبة من الأميركيين الذين لديهم مخاوف من هذا اليسار، ولكنه في المقابل قد يعرضه لخسارة بعض أصوات اليسار، وهناك من هؤلاء من اعترض على اختيارها، فقد قال جوردان شاريتون من شركة الإعلام التقدمي “كونت” أن بايدن أهان التقدميين والمحتجين باختياره هاريس، وقال ميكا يوتيرشت: حدثت مؤخرا أكبر انتفاضة في التاريخ الأميركي ضد هذا النوع من السياسات “الاحتجاجات ضد ممارسات البوليس” التي أوجدتها ومارستها كامالا هاريس طوال حياتها السياسية، وقال والكر براكمان في تويتر “مؤلف مشروع قانون الجريمة جو بايدن يختار الشرطي الأكبر كامالا هاريس لمنصب نائب الرئيس”.
كما قال مسؤولون في الحزب الديموقراطي أنهم يأملون بأن تساعد هاريس بايدن في الحصول على 90 في المائة من أصوات الناخبين السود، ولكن استطلاعا لموقع راسموسن قال إن ثلث الناخبين السود أصبحوا أقل احتمالا للتصويت لصالح الحزب الديموقراطي بعد إعلان بايدن عن تسمية كامالا كنائبة له، مقابل 37 في المائة كان لهم رأي إيجابي جدا عنها، وإجمالا عند الديموقراطيين كان 76 في المائة لديهم تفضيل لها مقابل 18 في المائة فقط لا يفضلونها، وعند الأميركيين بشكل عام كان 49 في المائة يفضلونها مقابل 44 في المائة لا يفضلونها.
وبغضّ النظر عن هذه الاستطلاعات والسجالات، فإن اختيار كامالا هاريس سيمثّل نقلة باتجاه دور أكثر فاعلية لمنصب نائب الرئيس، فبدل أن يكون هو الشخص الذي يقف خلف رئيسه وينظر إليه أمام الكاميرات بإعجاب كما كان الوضع خلال الكثير من الإدارات الأميركية، ستكون هاريس شخصا يشارك في صنع القرار بفعالية، بل ظهر وجودها طاغيا وسارقا للأضواء خلال المؤتمر الانتخابي للحزب الديموقراطي الذي تمت تسميتها فيه رسميا مرشحة لهذا المنصب، إلى درجة أن هناك من بدأ بالترويج إلى أن المعركة الانتخابية التي ستشهدها الولايات المتحدة في نوفمبر ستكون بين دونالد ترامب وكامالا هاريس، ولكن إذا كان حضورها طاغيا إلى هذا الحد وحتى على حساب الرئيس نفسه فمن المبكر معرفة إذا كان ذلك سيخدم بايدن في الانتخابات أم لا.
وكذلك من المبكر توقع نتيجة الانتخابات، لأنها ستتوقف على ما ستحمله الأسابيع المقبلة من تطورات على المستوى الاقتصادي والصحّي، وعلى كيفية سير المناظرات بين المرشحين، ولكن في بعض الحالات كان لاختيار نائب الرئيس دور في فوز أو خسارة المرشح الرئاسي، فقد قيل أن اختيار جون كينيدي الشاب القادم من الشمال الشرقي ليندون جونسون الكهل القادم من تكساس في الجنوب لمنصب نائب الرئيس دور في نجاحه، كما قيل أن بيل كلينتون واختياره لآل غور لمنصب نائب الرئيس عندما كان الاثنان شابّين في الأربعينات من العمر دورا في هزيمة جورج بوش الأب الذي كان وقت الحملة الانتخابية بعمر 69 سنة، وفي المقابل أرجع كثيرون خسارة جون ماكين انتخابات عام 2008 أمام باراك أوباما لاختياره سارة بيلين لمنصب نائبة الرئيس، وستكون الانتخابات الحالية من بين تلك التي سيعزوا أغلبية الأميركيين نتيجتها لاختيار كامالا هاريس لمنصب نائب الرئيس، والتي لن نتمكن من معرفتها حتى يوم الانتخابات.
Alassima.press