من التطوع إلى الريع المقنّع… حين يفقد العمل الجمعوي روحه

العاصمة بريس/الرباط
بقلم ..العربي البقالي
في مشهد غير مألوف داخل الحقل الجمعوي، خرج أحد الأشخاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليعلن صراحة أنه يتقاضى أجراً مقابل ترؤسه لجمعية ذات منفعة عامة، في خطوة تضرب عرض الحائط جوهر العمل الجمعوي القائم على التطوع والإيثار وخدمة الصالح العام دون مقابل.
على مدى سنوات، ظل العديد من الفاعلين الجمعويين يعملون بدافع الانتماء والغيرة على المجتمع، مسخّرين وقتهم وجهدهم وأحياناً مالهم الخاص، لإحداث التغيير ومواكبة السياسات العمومية وسد الثغرات التي تعجز الدولة عن بلوغها. غير أن موجة جديدة بدأت تتسلل إلى هذا الميدان، حوّلت بعض الجمعيات إلى مشاريع ربحية، وأفرزت فئة من “المهنيين” الذين يرون في الجمعيات مصدر دخل وتعويضات، بل أحياناً وظيفة بدوام كامل.
ورغم أن القانون لا يمنع كلياً صرف تعويضات في إطار مشاريع ممولة، إلا أن الأصل في العمل الجمعوي هو التطوع، وأي خروج عن هذا المبدأ ينبغي أن يخضع قبل كل شيء للرقابة الأخلاقية، خاصة عندما يتعلق الأمر بجمعيات ذات منفعة عامة. فالواقعة الأخيرة، وإن بدت بسيطة للبعض، تمثل مؤشراً على تآكل القيم التي بُني عليها المجتمع المدني المغربي، وتحول مقلق من فلسفة العطاء إلى منطق الريع.
تحويل الفاعل الجمعوي من متطوع إلى “موظف غير معلن” يوسع الهوة بين المواطن والجمعية، ويفقد هذه الأخيرة مشروعيتها الأخلاقية وقدرتها على التأثير في السياسات أو تعبئة المجتمع. والأسوأ، أن بعض الجمعيات تصبح غطاءً للاستفادة من الدعم العمومي أو التهرب من الالتزامات، دون إحداث أثر فعلي على أرض الواقع.
إن تبرير الأجر بكثافة العمل أو تعقيد المشاريع لا يعفي من واجب الشفافية والنزاهة، فالتطوع لا يعني العشوائية، بل يعني وضوح النوايا واحترام جوهر الرسالة الجمعوية. وهنا، تتحمل الأطراف المعنية مسؤولية مشتركة:
الجهات المانحة مطالبة بربط الدعم بمؤشرات الحكامة والمردودية.
السلطات مدعوة إلى تقنين التعويضات وضمان الرقابة المالية.
المجتمع المدني الحقيقي ملزم بفضح كل من يحوّل التضامن إلى تجارة.
النزاهة ليست شعاراً يُرفع، بل ممارسة تُجسّد. والجمعيات وُجدت لخدمة الناس لا لاستغلالهم، ومن أراد أجراً فليبحث عن وظيفة، أما من اختار العمل الجمعوي، فعليه أن يدرك أن رسالته لا تحتمل التزييف.
ختاماً، تطوير العمل الجمعوي أمر مطلوب، لكن حين تطغى المصالح الشخصية وتتوارى فكرة العطاء المجاني، فإننا أمام انحراف خطير يحوّل الرسالة إلى صفقة، ويشوّه صورة المجتمع المدني في أعين الناس.