قرار جماعة أكادير لتنظيم أوقات الفتح و الإغلاق.. بين ضرورة السكينة واحترام الانشطة الاقتصادية

العاصمة بريس الرباط

مصطفى الشباني

أثار القرار الجماعي الصادر عن جماعة أكادير، القاضي بتنظيم أوقات فتح وإغلاق المحلات التجارية والخدماتية من الساعة السادسة صباحاً إلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، نقاشاً واسعاً بين مختلف شرائح المجتمع. وبين مؤيد يرى فيه خطوة حضارية لضمان الهدوء والنظام، ومعارض يعتبره تقييداً للأنشطة الاقتصادية، يظل الهدف الأساس هو تحقيق التوازن بين متطلبات العيش المشترك داخل المدينة.

المدينة ليست فقط فضاءً للتجارة والحركة، بل هي أيضاً مكان للراحة والسكينة. لهذا جاء القرار الجماعي ليضع حداً لحالة الفوضى التي كانت تسود في أوقات متأخرة من الليل، والتي غالباً ما كانت تُسبب إزعاجاً للسكان وتؤثر على جودة حياتهم اليومية. فالحق في العمل مشروع، لكنه لا ينبغي أن يتعارض مع حق الآخرين في الهدوء والنوم الآمن داخل بيوتهم.

تجارب مدن أخرى، سواء داخل المغرب أو خارجه، تُظهر أن تنظيم الزمن التجاري يسهم في تحسين صورة المدينة ويُعزز الإحساس بالأمن والراحة. ففي بعض المدن المغربية تُغلق المحلات بعد صلاة المغرب، باستثناء تلك الواقعة قرب محطات النقل، بينما في عدد من الدول الأوروبية تُغلق المتاجر الكبرى في الخامسة مساء، ولا يُسمح إلا للمقاهي والمطاعم السياحية بالاستمرار حتى منتصف الليل مع منع الإزعاج في الفضاءات الخارجية. هذا ما يُعرف في بعض الأنظمة المحلية باسم “taxe Fermeture tardive”، أي رخصة الإغلاق المتأخر، والتي تُمنح وفق ضوابط واضحة تضمن احترام الراحة العامة.

القرارات المحلية من هذا النوع يجب أن تُبنى على تظلمات وشكايات الساكنة المتضررة من الإزعاج، وفي المقابل، من الضروري الإنصات لمطالب التجار والتنسيق معهم في إطار الحوار. فالتوازن لا يتحقق إلا بتفاهم الطرفين حول أهمية النظام واحترام القوانين، بما يحفظ النشاط التجاري من جهة ويصون السكينة العامة من جهة أخرى.

النقاش الذي رافق هذا القرار كشف عن عدة جوانب مهمة، من أبرزها أن بعض الأصوات ركزت على مصلحة التجار فقط وأغفلت جانب راحة السكان، كما أن عدداً من العاملين في هذه المحلات يضطرون إلى العمل حتى ساعات متأخرة من الليل في ظروف صعبة ودون حماية اجتماعية كافية. ومن المهم التذكير بأن القرار الجماعي لا يمنع التمديد في ساعات العمل، بل يتيح للراغبين تقديم طلباتهم عبر منصة “رخص” للحصول على ترخيص خاص حسب نوع النشاط والموقع الجغرافي للمحل.

ما تسعى إليه جماعة أكادير من خلال هذا القرار ليس التضييق أو المنع، بل إرساء ثقافة تنظيمية جديدة تحترم مبدأ التعايش داخل الفضاء الحضري. فالتاجر الذي يعمل ضمن نظام واضح يربح الاستقرار، والمواطن الذي يجد الهدوء في محيط سكنه يعيش بطمأنينة. بهذا الشكل، يتحقق التوازن المطلوب بين الدينامية الاقتصادية وراحة الإنسان، وهو ما يشكل أساس أي مدينة حديثة تسعى لبناء تنمية متوازنة وعادلة.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...