الخطاب الملكي… نداء إلى تصحيح المسار التنموي في الأقاليم الجنوبية

العاصمة بريس الرباط

منير نافيع – العيون

الخطاب الملكي الأخير لم يكن مجرد افتتاح للسنة التشريعية، بل جاء بمثابة نداء واضح وصريح لتصحيح المسار التنموي في الأقاليم الجنوبية، بعد أن اتضح أن وتيرة الإنجاز لا تواكب حجم التطلعات الملكية ولا انتظارات الساكنة.

فالملك محمد السادس، وهو يتحدث بنبرة الحزم والوضوح، وجه رسائل دقيقة إلى من يتولون تدبير الشأن المحلي والإقليمي، مذكرا بأن التنمية ليست شعارات ترفع، ولا مشاريع تعلن في المناسبات، بل التزام فعلي، ومحاسبة مستمرة، وعمل ميداني ينعكس على حياة المواطنين.

في جهة العيون الساقية الحمراء، حيث تلتقي الأوراش الكبرى بمشاعر الانتظار الطويل، يلمس المواطن العادي التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع المعيش. مشاريع تدشن في العلن ثم تعلق في الكواليس، ولجان تعقد دون أثر ملموس، وشباب مازال يبحث عن فرصة شغل تحفظ كرامته في أرض غنية بالموارد.

إنها المفارقة التي جعلت التنمية في الجنوب تبدو أحياناً كما لو أنها رهينة ببيروقراطية متكلسة وشبكات مصالح تحصن مواقعها أكثر مما تنصت لصوت المواطن.

الخطاب الملكي جاء ليضع النقاط على الحروف:

الزمن لم يعد يتّسع للتهاون أو التبرير، ولا مكان بعد اليوم لمن يعتبر الاستثمار في الأقاليم الجنوبية مجالا مغلقا لخدمة فئة دون أخرى. فالتنمية الحقيقية لا تقاس بعدد الاجتماعات ولا بحجم الميزانيات، بل بما تحدثه من تحول في واقع الناس، وبما تمنحه من فرص للشباب الطموح.

لقد ذكر جلالته بأن العدالة الاجتماعية والمجالية ليست شعارا ظرفياً، بل توجّه استراتيجي ورهان مصيري، يتطلّب تعبئة كل الطاقات، وتغييراً عميقاً في العقليات، واعتماد ثقافة النتائج بدل ثقافة التبرير.

وهي دعوة موجهة بالأساس إلى الإدارات المحلية والمجالس المنتخبة والفاعلين الاقتصاديين الذين اعتاد بعضهم الاكتفاء بالتفرّج أو التبرير، في وقت يحتاج فيه الوطن إلى فعل شجاع ومبادرة مسؤولة.

إن المشاريع الكبرى التي أُطلقت في الأقاليم الجنوبية منذ سنوات لم تفقد قيمتها، لكنها فقدت بعضا من روحها الأولى، حين تحوّلت في نظر البعض إلى أرقام وموازنات بدل أن تظل مشروعا إنسانيا يهدف إلى تحسين شروط الحياة اليومية للمواطنين.

ولهذا، فإن الخطاب الملكي جاء بمثابة مراجعة جماعية للضمير التنموي، ودعوة لإعادة الثقة بين الدولة والمواطن في الجنوب.

اليوم، سكان الجهة لايطلبون المستحيل.

إنهم فقط ينتظرون أن تترجم الإرادة الملكية إلى فعل مسؤول، وأن يتحول الحديث عن التنمية إلى ممارسة ترى وتلمس، لا إلى شعارات تردد في الخطابات.

فالصحراء المغربية ليست امتيازا سياسيا ولا تركة انتخابية، بل أمانة وطنية تستوجب عملا صادقا، وإرادة حقيقية، ومحاسبة لا تستثني أحدا.

والمطلوب اليوم، قبل أي شيء، أن نعيد للإنسان مكانته في قلب المشروع التنموي، لأن التنمية التي لا تنصف أبناءها، تفقد معناها مهما بلغت أرقامها.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...