قبل الإنتخابات التشريعية 2026.. قرارات العزل تتواصل داخل الجماعات الترابية بالمملكة

العاصمة بريس /الرباط
قبل الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026، تتواصل مسطرة العزل داخل عدد من الجماعات الترابية بالمغرب، في سياق يعكس تصعيداً متزايداً من قبل السلطات الإدارية والقضائية لضمان احترام القانون ومبادئ الشفافية في تدبير الشأن المحلي.
أحدث حلقات هذا المسار شهدتها المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، التي قضت بعزل شيماء زايد من رئاسة جماعة أحلاف التابعة لإقليم بنسليمان، وذلك استناداً إلى طلب عامل الإقليم المدعوم بتقرير مفصل أنجزته المفتشية العامة لوزارة الداخلية.
ووضع الحكم الذي صدر أول أمس الثلاثاء، حداً لمسار الرئيسة المنتمية لحزب التقدم والاشتراكية داخل المجلس الجماعي، بعدما ثبت وجود اختلالات وُصفت بالجسيمة في التدبير الإداري والمالي.
وأوضحت المحكمة في تعليلها أن الخروقات المسجلة تمثل إخلالاً خطيراً بالقوانين والأنظمة، وتمس بشكل مباشر مصالح الساكنة والسير العادي للمرفق العمومي، خصوصاً في ما يتعلق بملفات حيوية مثل الماء الصالح للشرب، والصفقات العمومية، والتعمير، إلى جانب سوء تدبير الموارد المالية والبشرية.
جماعة أحلاف لم تكن استثناء في هذا السياق، فهي واحدة من أكثر الجماعات الترابية التي عرفت حالات متكررة لعزل رؤسائها خلال السنوات الأخيرة، إذ يشكل قرار المحكمة الأخير الحالة الرابعة من نوعها.
هذا التكرار يعكس عمق الإشكالات التي تواجه تدبير الشأن المحلي في المنطقة، ويضع تساؤلات حول قدرة النخب المنتخبة على الالتزام بمقتضيات الحكامة الجيدة.
ولم تقتصر التحركات القضائية والإدارية، على جماعة أحلاف وحدها، بل امتدت إلى جماعة الفضالات المجاورة، حيث باشر عامل إقليم بنسليمان مسطرة استفسار رئيسة المجلس الحالي وعدد من المستشارين، بينهم الرئيس السابق، بخصوص اختلالات وتضارب محتمل في المصالح.
وقد تمت إحالة الملفات على المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، ما يرجح إمكانية صدور قرارات عزل جديدة في الأمد القريب.
وفي تطور آخر ذي صلة، أصدرت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء خلال غشت الماضي حكماً نهائياً يقضي بعزل بوشعيب طه، رئيس جماعة بوسكورة بإقليم النواصر، إلى جانب ثلاثة من المستشارين وسبعة موظفين جماعيين.
وجاء الحكم مشمولاً بالتنفيذ المعجل بعد مسار طويل من التحقيقات الرقابية التي رصدت تجاوزات خطيرة، أبرزها التلاعب بمحاضر رسمية ومنح تراخيص بناء خارج الإطار القانوني، فضلاً عن اختلالات في تدبير الصفقات العمومية وتبديد محتمل للمال العام.
وكان بوشعيب طه، الذي تولى رئاسة المجلس منذ سنة 2009، من أبرز الأسماء السياسية في المنطقة، لكن مساره الممتد سبعة عشر عاماً انتهى بحكم قضائي اعتبره مراقبون ضربة قوية في سياق تعزيز مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وخلف الحكم حالة من الارتياح وسط الساكنة التي طالبت بسنوات بفتح ملفات التعمير والصفقات المثيرة للجدل، ورأت فيه خطوة نحو استعادة الثقة في المؤسسات المحلية.
ويرى المتابعون للشأن المحلي أن هذه التطورات تعكس اتجاهاً جديداً نحو الصرامة في مراقبة عمل الجماعات الترابية، انسجاماً مع الدعوات المتزايدة لإرساء حكامة جيدة وحماية المال العام.
كما يؤكدون أن دور القضاء الإداري بات محورياً في حماية المصلحة العامة وضمان السير السليم للمرافق العمومية، في وقت يترقب فيه الشارع المحلي أن تمتد هذه الرقابة لتشمل مختلف المجالس المنتخبة التي تحوم حولها شبهات الاختلال وسوء التدبير.
وبينما يستعد المغرب لدخول غمار الانتخابات الجماعية المقبلة، تبدو مسطرة العزل الجارية بمثابة رسالة واضحة إلى كل الفاعلين السياسيين بضرورة احترام القوانين والالتزام بالشفافية، باعتبار أن أي تجاوز لم يعد يمر دون متابعة أو محاسبة، وهو ما يضع النخب المحلية أمام اختبار حقيقي لإثبات كفاءتها في خدمة التنمية وصون المصلحة العامة.