التوجيه المدرسي.. ركيزة مُهملة في مستقبل التلاميذ

العاصمة بريس/الرباط
بقلم: عبد الله إكي

لأسباب غامضة وأحيانًا غير مبررة، لا تزال بعض المواضيع التربوية الأساسية خارج دائرة اهتمام العديد من الأسر المغربية، مما يؤثر سلبًا على المسار الدراسي لأبنائها. ومن أبرز هذه المواضيع: التوجيه المدرسي أو التربوي، الذي يُعد فعلًا تربويًا محوريًا في حياة المتعلم، إذ يتوقف عليه اختيار المسارات التعليمية والمهنية المناسبة لقدراته وميولاته.

ورغم ما بُذل من جهود لإرساء نظام توجيه فعّال داخل المؤسسات التعليمية، لا يزال هذا الورش الحيوي يعاني من أعطاب عديدة، أبرزها ضعف انخراط الأسرة، وغياب التفاعل الإيجابي بين التلميذ والمستشار في التوجيه، فضلًا عن ضبابية الأدوار، وغياب الإمكانيات اللوجستيكية الضرورية.

ويُبنى التوجيه التربوي على مجموعة من العناصر المتداخلة: القدرات والميولات والطموحات الفردية، ومتطلبات الحياة الدراسية والمهنية. ولا يمكن للمستشار التربوي أداء مهمته على الوجه المطلوب، دون تفاعل المتعلم ذاته، واختياره لمسلك دراسي يتماشى مع طموحه، بعيدًا عن ضغوط الأسرة أو المحيط.

وقد أقرّ وزير التربية الوطنية السابق، سعيد أمزازي، خلال مشاركته في المنتدى الافتراضي للإعلام والتوجيه سنة 2021، بفشل نظام التوجيه الحالي، واصفًا إياه بـ”الارتجالي”، محملًا إياه مسؤولية ارتفاع نسبة الهدر الجامعي، وداعيًا إلى إطلاق منصة رقمية لتقوية آليات التوجيه، بعدما ثبت عدم نجاعة “أيام الأبواب المفتوحة”.

في الدول المتقدمة، يُنظر إلى التوجيه المدرسي كرافعة حقيقية للتنمية، بفضل ما يوفره من خدمات نفسية وتربوية ومعلوماتية تساعد التلميذ على اتخاذ قراراته بتبصر. بينما في السياق المغربي، ما يزال يُنظر إليه كعملية موسمية، يتم اللجوء إليها عند قرب الامتحانات، دون استثمارها كآلية لبناء المشروع الشخصي للمتعلم.

وحتى ينجح التوجيه المدرسي في تحقيق أهدافه، لا بد من إعادة الاعتبار لدور المستشار، بتوفير مكتب مجهز داخل المؤسسة، وتكليفه بمواكبة المتعلمين طيلة السنة الدراسية، بناء على ملفاتهم الدراسية، وإعداد تقارير دورية حول أنشطته. كما يجب دمج الإعلام التربوي بشكل فعال في العملية، لما له من دور في تعريف التلاميذ بالمسارات الدراسية والمهنية المتاحة.

إن ما يُحزن فعلاً، هو استمرار الإصلاحات التربوية في استنزاف الوقت والمال دون نتائج ملموسة. ومن هذا المنبر، ندعو المسؤولين التربويين إلى مراجعة عميقة لمنظومة التوجيه، وتعزيز بنيتها التحتية، والرفع من عدد المستشارين، بما يضمن مرافقة ناجعة للتلاميذ نحو اختيارات منسجمة مع قدراتهم وأحلامهم، ويحد من ظاهرة الهدر المدرسي والجامعي.

فالتوجيه ليس رفاهية تربوية، بل هو ضرورة تنموية لتأهيل رأسمال بشري منتج ومندمج في سوق الشغل.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...