الانشقاق المتأخر في جماعة الكارة: حسابات سياسية أم توبة متأخرة؟

العاصمة بريس الرباط
عبد الرزاق خنير/الكارة/برشيد
بعد أربع سنوات من التسيير المشترك داخل مجلس جماعة الكارة، فاجأ 16 عضوًا، من ضمنهم عناصر من المكتب المسير، الرأي العام المحلي بإعلان انشقاقهم عن رئيس المجلس، بدعوى فشله في تحقيق أي إنجازات تُذكر خلال مدة الانتداب. غير أن هذا التحول المفاجئ في المواقف يطرح أكثر من علامة استفهام، ويكشف عن أوجه متعددة لما يمكن تسميته بـ”الانشقاق الانتخابي المبكر”.
السؤال الجوهري الذي يطرحه المواطن البسيط هو: أين كان هؤلاء حين كانت القرارات تُتخذ؟ وأين كانت أصواتهم حين كانت المشاريع تُبرمج؟
هؤلاء الأعضاء لم يكونوا في المعارضة، بل كانوا شركاء فعليين في التسيير. بعضهم تولّى مناصب داخل المكتب، ودافع عن نفس النقاط التي يُعاد طرحها اليوم على طاولة النقاش بنبرة اتهامية ضد الرئيس، وكأنهم لم يكونوا يومًا جزءًا من نفس المنظومة.
اليوم، وبعد أن بدأت رائحة الفشل تفوح من حصيلة المجلس، يخرجون ليُعلنوا “البراءة السياسية” مما جرى، في خطوة تُفهم على أنها محاولة لغسل الأيادي وتبرئة الذات أمام الساكنة، تمهيدًا للعودة بوجه جديد في استحقاقات قادمة.
والأخطر أن نفس النقاط، التي سبق وتم إدراجها والتداول فيها داخل دورات سابقة –بموافقتهم وتوقيعهم– يُعاد طرحها مجددًا كما لو أنها قضايا جديدة، مع لوم مُباشر للرئيس وتحميله وحده تبعات فشل المجلس في الاستجابة لمطالب الساكنة. لكن الواقع أن هذه محاولة واضحة لـ”إعادة تسويق الوجوه نفسها بمواقف مغايرة”، دون أدنى اعتراف بمسؤوليتهم المشتركة.
إن هذا التحول ليس بريئًا. فالسياق الزمني –نهاية الولاية– وتضخم الاحتقان الاجتماعي، يجعل منه خطوة محسوبة بدقة، وجزءًا من تموقع انتخابي يستبطن مناورات سياسية، أكثر مما يعكس نضجًا ديمقراطيًا أو صحوة ضمير.
العبث الحقيقي، ليس في الصراع داخل المجلس –فهذا أمر طبيعي في السياسة– بل في استغلال القضايا الاجتماعية والمعيشية للمواطنين كوقود لهذا الصراع، دون تقديم حلول واقعية، أو بدائل جدية، أو حتى نقد ذاتي يعترف بالمسؤولية الجماعية عن الفشل.
لقد ولى زمن الخطابات التي تتلاعب بعقول الناس، وأصبح المواطن أكثر وعيًا بمن كان شريكًا في القرار، ومن كان متفرجًا، ومن جاء اليوم يبحث عن طوق نجاة سياسي على حساب ذاكرة الناس وكرامتهم.
إن جماعة الكارة لا تحتاج إلى مناورات، بل إلى جرأة الاعتراف، وشجاعة التقييم، ومحاسبة جماعية لا تستثني أحدًا من المسؤولية.