ريشي سوناك وجه جديد لبريطانيا الجديدة ، وسط أزمات داخلية صعبة و تحديات جيوسياسية قوية
العاصمة بريس.
بقلم : البراق شادي عبد السلام .
وسط تمدد الطوفان اليميني الذي إكتسح المشهد السياسي للقارة العجوز في السنوات الأخيرة إستطاع التاج البريطاني كنظام ملكي عريق الحفاظ على تفرد نموذجه السياسي و الإجتماعي بإستقبال الملك تشارلز الثالث السيد ريشي سوناك كرئيس للحكومة حيث يعتبر أول هندوسي في المملكة المتحدة و من أصل آسيوي و الأصغر منذ أكثر من 200 عام عن عمر يناهز 42 الذي يدخل المبنى رقم 10 بداوننغ ستريت في منصب رئيس للوزراء ، هي لحظة تاريخية مجيدة للأمة البريطانية تكرس خيار التعددية الثقافية و الحضارية و قيم المساواة العرقية الثابت و الأصيل في المجتمع البريطاني .
فتمدد الأحزاب المنتمية للتيار اليميني في كل من إيطاليا والسويد واليونان وفرنسا وإسبانيا والنمسا و هولندا وألمانيا وأوكرانيا وبولندا وهنغاريا على المشهد السياسي الأوروربي حيث تشترك هذه الأحزاب في توجه إيديولوجي يجسد الفكر القومي المتطرف بمعناه الأصولي المتشدد المبني على دعم الخطاب السلطوي المتشبع بأفكار و معتقدات عرقية و عنصرية شوفينية تمجد العرق الأبيض، ويحمل كراهية مقيتة للأجانب، بخطابات شعبوية ، وبرامج إنتخابية بحلول ميكانيكية بسيطة وسريعة بحمولة عنصرية تتمثل في سن قوانين و القيام بإجراءات تستهدف المهاجرين و تدعو لوقف الهجرة من خارج الإتحاد الأوروبي و ترحيل اللاجئين و جمعهم في غيتوهات خصوصا المسلمين إرتباطا بالإسلاموفوبيا ، وكذا فكّ الارتباط مع الاتحاد الأوروبي .
معالجة القضايا المجتمعية في أوروبا يتطلب مقاربات إنسانية يمتزج فيها ماهو إنساني بما يحدد الأولويات الوطنية و هو مانجحت فيه الطبقة السياسية البريطانية إلى حد ما بإبتداع نموذج سياسي مبني على الإندماج الفاعل للمهاجرين في الحياة اليومية لبريطانيا بإعتبارهم جزءا من منظومة سياسة و إقتصادية و إجتماعية تتفاعل بإستمرار في ظل ثوابت مركزية ناظمة للخلافات و الصراعات .
إستطاعت بريطانيا ان تتجاوز الموجة العاتية لهذا المد اليميني بإنتخاب السيد ريشي سوناك ذوي الأصول الهندية كرئيس للحكومة البريطانية عن حزب المحافظين .
▪️تاريخيا النظام المجتمعي البريطاني يرفض الشوفينية :
النظام السياسي البريطاني المبني على توافق تاريخي متجدد بين كل الأطراف السياسية داخل المجتمع البريطاني إستطاع تاريخيا أن يقف في وجه كل التوجهات الشعبوية اليمينية أو اليسارية التي عصفت بباقي الدول الأوروبية طوال عقود .
في بداية القرن العشرين و مع نجاح ثورة أكتوبر في روسيا سنة 1917 و تمدد الفكر الشيوعي و تصاعد موجة القلاقل السياسية و الزخم الثوري العمالي في جميع أنحاء العالم و تصاعد الإضطرابات الناجمة عن تداعيات الحرب العالمية الأولى و جائحة إنفلونزا 1918 أو الحمى الإسبانية بخسائرها البشرية التي تراوحت بين 50 و 100 مليون إنسان حيث ألهمت الإنتصارات اللينينية الحركة الشيوعية العالمية للقيام بإنتفاضات وثورات كالثورة الألمانية الكبرى التي كانت من نتائجها الجمهورية السوفيتية البافارية و الثورة المجرية و العامين الحمراوين (Biennio Rosso) في إيطاليا و أحداث اخرى في الصين و أروربا الشرقية، إبريطانيا هي الأخرى عرفت إنتفاضات كبرى في مختلف المدن الكبرى خاصة بلفاست و كلاسكو بقيادة مؤتمر النقابات العمالية الإسكتلندية ولجنة عمال كلايد في مواجهة الحكومة البريطانية بقيادة رئيس الوزراء في ذلك الوقت لويد جورج و ونستون تشرشل، وزير الحربية آنذاك.
رغم حدة الإضرابات و شدة المواجهة خاصة في مايسمى بالأدبيات الإشتراكية معركة ميدان جورج أوالجمعة السوداء 31 يناير 1919 فقد حافظ المجتمع البريطاني على مناعته من تسلل الأفكار الشيوعية وإستطاعت بريطانيا الحفاظ على نظامها السياسي الديمقراطي المتميز.
قبيل الحرب العالمية الثانية في ثلاثينيات القرن الماضي وكرد فعل على حالة الركود المالي المرتبط بالأزمة الإقتصادية العالمية أو مايسمى بالخميس الأسود 1929 و مع صعود الدكتاتوريات المعتنقة للفكر الفاشي في مختلف البلدان الأوروبية كإيطاليا بقيادة موسولوني و إسبانيا بقيادة فرانكو والبرتغال بقيادة أنطونيو سالازار و النمسا بقيادة كورت شوشنيغ و يوغوسلافيا بقيادة ميلان ستويادينوفيتش و اليونان بقيادة ايوانيس متاكساس و ألمانيا بقيادة أدولف هتلر ، صعد نجم عضو في البرلمان البريطاني إسمه أوزوالد موزلي أسس إتحاد الفاشيين البريطاني أو تنظيم القمصان السود الذي كان على علاقة وطيدة بالحزب النازي الألماني .
هذا التوجه السياسي منذ البداية لاقى رفضا كبيرا من المجتمع البريطاني في ذلك الوقت حيث منعت حشود بريطانية مسيرة حاول موزلي أن ينظمها عبر منطقة يهودية في شرق لندن، وقد أدت إلى مواجهات شارع “كيبل” ، حيث قام مناهضون للفاشية بدعم سكان الحي بإغلاق الطريق أمام مسيرة “القمصان السود”.
حاول موزلي بعد الحرب العالمية الثانية إحياء حزبه الذي تفرق أنصاره بعد إعتقاله أثناء الحرب العالمية الثانية و أعاد تسميته باسم “حركة الاتحاد” لكنه لم يلقَ نجاحا يذكر و في سنة 1959 وفي أعقاب أعمال الشغب العرقية في منطقة “نوتينغ هيل” بلندن، فشل موزلي مرة أخرى في الإنتخابات حيث طرح أفكارا مضادة للهجرة و كذلك كان مصير محاولته في عام 1966، وقد ترشح حينها في دائرة انتخابية في لندن أيضاً ، بعدها تقاعد موزلي و فضل العيش في فرنسا حيث توفي بعيدا عن الأضواء .
صمود المجتمع البريطاني في مواجهة الفكر الشوفيني و التوجهات اليمينية المتطرفة هو ثابت أساسي و عنوان النظام السياسي المبني على فصل واضح للسلط و مركزية حقيقية للنظام الملكي في وجدان الشعب بالمملكة المتحدة.
اليوم و في خضم تقلبات حقيقية يعيشها العالم كرستها التداعيات المدمرة لجائحة كورونا و التهديد الكبير الذي يتعرض له الأمن العالمي نتيجة الحرب في أوكرانيا و تجاذباتها الجيوسياسية التي قد تؤثر على السلم العالمي نتيجة التهديدات النووية المتكررة.
النظام السياسي البريطاني التقليدي بطبيعته و الكلاسيكي في إختياراته يقوم بخطوة عملاقة في التاريخ السياسي المعاصر سيكون لها ما بعدها و ذلك بإنتخاب السيد ريشي سوناك وزير المالية السابق رئيساً جديداً للحكومة عن حزب المحافظين خلفا للمستقيلة ليز تراس بعد قبول ترشحه من طرف ” لجنة 1922″ بعد تراجع بوريس جونسون عن الترشّح وفشل منافسته بيني موردونت زعيمة الأغلبية المحافظة في مجلس العموم عن جمع الأصوات الكافية، حيث تعهد في خطاب قصير بتحقيق “الاستقرار والوحدة” لبريطانيا التي تواجه أزمة إقتصادية خانقة و تحديات داخلية و خارجية كبرى.
▪️من هو ريشي سوناك ؟
ولد سوناك في ساوثهامبتون عام 1980، لأبوين مهاجرين من أصول هندية حيث كان والده طبيبا عاما، أما والدته فكانت تدير صيدليتها الخاصة ، ليكمل دراسته في مدرسة “وينشستر كوليدج” تربى في جو من المسؤولية حيث إشتغل كنادل في مطعم “كاري هاوس” في ساوثهامبتون خلال العطل الصيفية – ثم ليتلحق بجامعة أكسفورد لدراسة الفلسفة والسياسة والاقتصاد.
وأثناء دراسته للحصول على ماجستير في إدارة الأعمال في جامعة ستانفورد، إلتقى بزوجته السيدة أكشاتا مورتي التي تعتبر من أهم سيدات المجتمع البريطاني و إحدى أغنى نساء بريطانيا فهي ابنة نارايانا مورتي، الملياردير الهندي والمؤسس المشارك لشركة خدمات تكنولوجيا المعلومات العملاقة “إنفوسيس”Infosys، لدى سوناك ومورتي إبنتان .
بين سنتي 2001 وحتى عام 2004، عمل سوناك كخبير مالي في بنك غولدمان ساكس، ثم قرر في 2006 أن يطور نشاطه ليعمل في إحدى الصناديق البدلية أوصناديق التحوط TCI ثم يؤسس في سنة 2009 صندوق خاص به . (صناديق التحوط أو ما تُعرف بالمحفظة الوقائية هي صناديق إستثمار تستخدم سياسات وأدوات استثمارية متطورة لجني عوائد تفوق متوسط عائد السوق أو معيار ربحي معين، بدون تحمل نفس مستوى المخاطر الأدوات التي تستخدمها المحافظ الوقائية حيث تشتغل في المشتقات المالية و العقود الآجلة و المقايضات ).
في عام 2010 بدأ سوناك العمل السياسي مع حزب المحافظين، وخلال هذه الفترة انخرط أيضًا في Policy Exchange، وهي مؤسسة بحثية رائدة في مجال المحافظين، حيث أصبح رئيساً لوحدة أبحاث السود والأقليات العرقية (BME) في عام 2014.
وفي ذلك العام نشر موقع Policy Exchange كتاباً بعنوان “صورة بريطانيا الحديثة”، وهو كتيب كتبه سوناك مع ساراتا راجيسواران نائبة رئيس الوحدة .
عام 2014، تم اختياره كمرشح حزب المحافظين لمجلس العموم ممثلاً لريتشموند في شمال يوركشاير، وهو مقعد في شمال إنجلترا شغله لفترة طويلة زعيم الحزب (1997-2001) ويليام هيغ.
ثم أعيد انتخابه للبرلمان في عامي 2017 و2019، وصوت ثلاث مرات لصالح خطط رئيسة الوزراء تيريزا ماي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ومن 2015 إلى 2017 كان عضواً في لجنة اختيار البيئة والغذاء والشؤون الريفية وسكرتيراً برلمانياً خاصاً في وزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية.
في يناير 2018 تم تعيينه في أول منصب وزاري له كوكيل دولة بوزارة الإسكان والمجتمعات والحكم المحلي تمت ترقيته إلى منصب وزير الخزانة ( وزارة المالية ) في فبراير 2020 .
سوناك إستقال في نهاية المطاف من منصب وزير الخزانة في يوليوز 2022، وهي الخطوة التي ساهمت في سقوط جونسون كزعيم لحزب المحافظين ورئيس للوزراء وفي جدل حول القيادة في حزب المحافظين أصر سوناك على أنه كان مخلصا لجونسون لكنه إستقال لأن حكومته كانت على “الجانب الخطأ” فيما يتعلق بقضايا أخلاقية حساسة.
حقق سوناك إنجازات مهمة في منصبه كوزير للخزانة في ظل الإغلاق العالمي الشامل بسبب كورونا حيث واجهته تحديات كبرى إستطاع إدارتها بشكل إيجابي إذ أعلن عن برنامج دعم إقتصادي واسع النطاق خصص حوالي 350 مليار جنيه إسترليني (400 مليار دولار) في شكل أموال طارئة للشركات كما دعم رواتب العمال بهدف الاحتفاظ بالوظائف وتخفيف عبء الإغلاق على الأفراد والشركات على حد سواء.
و قد حظيت برامج الإنقاذ هذه بشعبية كبيرة، و ردود أفعال إيجابية ليتحول ريشي سوناك إلى وجه الحكومة اللامع في المؤتمرات الصحافية اليومية في مقابل شعبوية رئيس الحكومة بوريس جونسون .
وصول سوناك إلى منصب رئيس الحكومة البريطانية هو دليل على نجاح إستراتجية ديفيد كامرون في تحديث الحزب و إنفتاحه على الأقليات العرقية و المهاجرين بتقديمهم في معاقل الحزب الآمنة حيث نجح في كسر معادلة حزب العمال الإنتخابية القائمة على دعم المهاجرين و القضايا الإجتماعية .
إنتخاب ريشي سوناك هو إنتصار للديمقراطية في بريطانيا و إنتصار سياسي داخل حزب المحافظين الذي يعرف أزمة سياسية حادة بين فصائله داخل و خارج قصر وستمنستر في ظل تباين كبير في المواقف بين أعضاءه حول العديد من القضايا التي تشغل بال الشعب البريطاني .
ملفات داخلية و خارجية مهمة فوق مكتب السيد ريشي سوناك في المبنى رقم 10 بداوننغ ستريت فهل سيستطيع وزير ” حقبة كورونا ” الناجح أن يضع سياسات ناجعة لتجاوز تداعيات جائحة كورونا ؟ هل يستطيع إدارة الملفات الخارجية للمملكة المتحدة بشكل يضمن مصالحها في عالم متغير ؟ هل يستطيع تقديم توافق جديد في الملفات الداخلية ذات البعد الخارجي كملف البريكسيت و الإتفاق مع إيرلندا الشمالية ؟
▪️سياسات سوناك الداخلية في ظل تحديات إقتصادية و إجتماعية خانقة :
” نحتاج إلى الإستقرار و الوحدة لصالح بريطانيا في مواجهة صعوبات عميقة ” بهذه العبارات حدد السيد ريشي سوناك أولويات حكومته بأن الإستقرار السياسي و الإقتصادي تدعمه وحدة وطنية هو ما يحدد كيفية تجاوز الصعوبات و الأزمات الإقتصادية الخانقة التي تهدد الإقتصاد البريطاني ، من هذه العبارات نستطيع أن نستشف أن رئيس الحكومة الجديد يمتلك رؤية واقعية إقتصادية و إجتماعية لحل المشكلات بعيدا عن المزايدات السياسية و هو ما عبر عنه سابقا : “نحتاج للعودة إلى القيم المحافظة في الاقتصاد، وهذا يعني الصدق والمسؤولية وليس القصص الخيالية”.
من خلال تتبع سلسلة تصويت السيد ريشي سوناك داخل مجلس العموم على قضايا داخلية و خارجية تهم بريطانيا نتسطيع أن نصل إلى نتائج قد تحدد طبيعة سياساته المستقبلية لحكومة بريطانيا إزاء العديد من القضايا و قد تكون مؤشرا على كيفية عمله كرئيس للوزراء.
ببحث بسيط على شبكة الأنترنت نجد أن النائب ريشي سوناك قد صوَّت بإستمرار لخفض تمويل الحكومة المركزية للحكومات المحلية و صوّت دائمًا تقريبًا ضد تدابير منع تغير المناخ بتخفيض الدعم المالي لتشيجع توليد الكهرباء من مصادر منخفضة الكربون و صوت على تجديد و بناء البنية التحتية الجديدة للسكك الحديدية عالية السرعة كجزء من مخطط كبير لتجديد البنية التحتية لبريطانيا .
في المجال الإجتماعي رفض التصويت للسماح بالزواج بين شخصين من نفس الجنس و في تناوله لقضايا الهجرة على الرغم من قصة والديه و جدته المهاجرين مرتين من الهند إلى كينيا و تانزانيا ثم إلى المملكة المتحدة فإن سوناك صوت لصالح نظام جديد للهجرة يقلص أعداد المهاجرين في البلاد بوضع حد أقصى للأشخاص الذين تقبلهم البلاد سنويا كما أنه صوت مرارا لصالح نظام لجوء أكثر صرامة يدعو لإعادة اللاجئين إلى رواندا و توعد بوقف المساعدات عن الدول التي لن تقبل عودة المهاجرين.
يتوقع من ريشي سوناك وضع برنامج واقعي لمواجهة الأزمة الإقتصادية الحادة التي تعرفها بريطانيا حيث إلتزم سابقا برفع ضريبة الشركات من 19٪ إلى 25٪ و إلتزم بتخفيض الضريبة على الدخل بنسبة 4٪ و تعهد بإلغاء الضريبة على القيمة المضافة على فواتير الطاقة المحلية لمدة عام واحد و دعم الفئات المعوزة بمليارات أخرى من الجنيهات .
كما من المتوقع أن يخفض سوناك الإنفاق العام لسد العجز الذي يقدر بنحو 40 مليار جنيه إسترليني في الموازنة العامة.
في المجال الصحي تعهد السيد سوناك بالعديد من التدابير و الإجراءات الصحية ذات البعد الإجتماعي و التي تعزز حضوره و دور حكومته في ظل التحديات الإقتصادية التي تهدد البلاد حيث تعهد بإلغاء فترات الانتظار لمدة عام بحلول سبتمبر 2024 و تقليل عدد الأشخاص المنتظرين للعلاجات الغير العاجلة و ذلك بإنشاء مراكز صحية للقرب في المتاجر الفارغة بالشوارع الكبرى للمدن الإنجليزية أو كما يسميها الإنجليز ( هاي ستريت ) .
كما تعهد بضبط المواعيد لحكامة جديدة حيث عبر عن نيته تغريم الأشخاص 10 جنيهات إسترلينية لعدم حضورهم موعدًا مع طبيب عام أو موعد في المستشفى.
كما تعهد بالقيام بإصلاحات هيكلة في نظام هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS الخاص بطب الأسنان و تحصين الميزانية السنوية لطب الأسنان NHS البالغة 3 مليارات جنيه إسترليني.
في المجال العسكري لم يبد السيد سوناك الرغبة في زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 3٪ من الدخل القومي بحلول عام 2030 – وبدلاً من ذلك قال إنه يريد أن يُنظر إلى هدف 2٪ الحالي على أنه حد أدنى.
▪️سياسات سوناك الخارجية و صورة بريطانيا الجديدة :
ظلت السياسة الخارجية لبريطانيا مثار نقاشات سياسية بين مختلف أطراف الطيف السياسي لبريطانيا منذ عقود حيث تعتبر السياسة الخارجية للتاج البريطاني من أهم نقاط قوتها و جزءا أساسيا من عمل الحكومة ودليلا على إنسجام أعضاءها و في بعض الأحيان تترجم المواقف السياسية للخارجية البريطانيا مدى صلابة الموقف الحكومي إزاء مجلس العموم .
ريشي سوناك من خلال العديد من المواقف السابقة أظهر إعتداله في الكثير من الملفات الخارجية سواء كعضو للبرلمان أو كمسؤول حكومي .
السياسة الخارجية للمملكة المتحدة لها ثوابت تحدد التوجه الديبلوماسي العام لها و من أهمها التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية و الإلتزام بسياسات حلف شمال الأطلسي الدولية و إحترام حقوق الإنسان .
في خطوة دالة على إستمرارية النهج البريطاني في السياسة الخارجية و شؤون الدفاع إحتفظ ريشي سوناك بكل من بين والاس كوزير للدفاع و جيمس كيفرلي وزيرا للخارجية حيث من المؤكد أن تستمر مواقف بريطانيا السابقة في مايخص الغزو الروسي لأوكرانيا و تستمر نفس السياسة في العلاقات مع البريكسيت و الخروج من الإتحاد الاوروبي و برتوكول إتفاق شمال إيرلندا و العلاقة مع الصين .
ملفات مهمة هي اليوم فوق طاولة كل من رئيس الحكومة المعين ووزير الخارجية جيمس كيفرلي أحد أهم رجالات بوريس جونسوس و أكبر داعمي ليزا تراس سابقا و الذي حاليا يعتبر أحد أهم حلفاء سوناك .
جيمس كيفرلي هو الآخر ينتمي لعائلة مهاجرة فأمه تنحدر من سيراليون و يمتلك تجربة سياسية مهمة في الشؤون الديبلوماسية إذ شغل في السابق مناصب متصلة بالعلاقات الدولية و السياسة الخارجية و له مواقفه من الشان الخارجي تتقاطع مع خيارات سوناك الخرجية في بعض الأحيان لكن من الاكيد أنه وقع توافق بين الرجلين .
– العلاقات مع أوروبا و البريكسيت :
من المحتمل جدا ان يحافظ سوناك على نفس سياسة سابقيه في مايخص البحث عن آليات ناجعة لإستكمال مسطرة الإنسحاب من الإتحاد الأوروبي حيث سيعمل على التوصل لإتفاق مرضي لجميع الأطراف فيما يخص بروتكول إيرلندا الشمالية فمن المنتظر أن يمرر التعديل الخاص بالبروتوكول و يعمل على إدخاله حيز التنفيذ لتفادي حرب تجارية مع بروكسيل فالحكومة البريطانية السابقة لم تعلن عن خطتها بالكامل ، لكن من خلال تصريحات سابقة لمسؤولين قد ترغب مرة أخرى في تعليق بعض المقتضيات من البروتوكول بشكل أحادي عن طريق إنشاء “ممر أخضر” لنقل البضائع من بريطانيا إلى إيرلندا الشمالية، و إعادة حوكمة طريقة إستفادة إيرلندا الشمالية من المساعدات الضريبية، وإنهاء دور محكمة العدل الأوروبية التي تعتبر الحكم الوحيد في أي نزاع يتعلق بالبروتوكول .
– الحرب في أوكرانيا :
الموقف البريطاني الرافض للغزو الروسي لأوكرانيا كان واضحا منذ بداية الصراع بين روسيا و الغرب، بالإضافة للحرب الإستخبارية الطويلة بين إبريطانيا و روسيا تتعلق بإتهامات لتسميم عملاء من الجانبين ، تظل العلاقات بين البلدين حذرة يطبعها التجاذب فجيمس كيفرلي وزير الخارجية الذي حافط على مقعده الوزاري في تشكيلة الحكومة الجديدة صرح في وقت سابق أمام المؤتمر السنوي لحزب المحافظين ” أن البريطانيين يقفون مع الأوكرانيين الشجعان الذين يدافعون عن وطنهم وبريطانيا لديها القدرة الاستراتيجية لتمكينهم من تحقيق الانتصار” حيث شدد على موقف بلاده الرافض لضم روسيا أربع مقاطعات أوكرانية في شرق البلاد وأيضا لشبه جزيرة القرم ،لكن من المستبعد أن نتصور أي مشاركة عسكرية مباشرة على الأرض فريشي سوناك يفضل سياسة العقوبات ضد روسيا و لا يفضل نهج تاتشر في التدخل العسكري حيث أكد في وقت سابق بأنه أثناء توليه وزارة الخزانة إستطاع تنفيذ عقوبات إستهدفت الشركات الروسية والبنك المركزي الروسي وتجارة الذهب الروسي و إعاقة وصول الشركات الروسية للأسواق الدولية كما جمع ملياري جنيه إستريلني و تقديمها للحكومة الأوكرانية في إطار المساعدات العسكرية و المالية للنظام الأوكراني بقيادة زيلينسكي الذي قدم دعوة لسوناك لزيارة كييف غذاة تعيين الأخير كرئيس للحكومة البريطانية .
– العلاقات مع الصين :
تعتبر الصين ثالث أكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة حيث تهيمن على 7٪ من التجارة الخارجية حيث يبلغ رقم المعاملات أكثر من 93 مليار جنيه إسترليني لتنتقل من 58 مليار في سنة 2015 .
رغم العلاقات الإقتصادية المميزة بين البلدين لكن توجد العديد من الخلافات بين بكين و لندن تتمثل أساسا في وضعية حقوق الإنسان للأقلية المسلمة للإيغور شرق الصين و خطط الصين لإحكام قبضتها على هونغ كونغ و الهجومات الإلكترونية الصينية على المصالح التجارية لبريطانيا والتجسس الإقتصادي للشركات الصينية و طموحات الصين في بحر الصين الجنوبي خاصة علاقاتها مع طايوان بالإضافة لمواقف الصين مؤخرا من الغزو الروسي لأوكرانيا .
خلال تصريحات سابقة أظهر ريشي سوناك أن سياسته المستقبلية ستكون أكثر تشددا مع الصين خلافا لسابقيه حيث كان قد صرح في تجمع إنتخابي لحزب المحافظين بأن “الصين والحزب الشيوعي الصيني يمثلان أكبر تهديد لبريطانيا وأمن العالم وإزدهاره في هذا القرن”. وتعهد بإغلاق 30 من معاهد كونفوشيوس في المملكة المتحدة و إقترح تأسيس “تحالفً دوليً ” على غرار حلف شمال الأطلسي لمواجهة التهديدات الإلكترونية الصينية ، على الرغم من أنه لم يقدم شروحات في كيفية تنفيذ ذلك.
▪️العلاقات المغربية – البريطانية تاريخ مجيد و أفاق عديدة للتعاون :
حسب بلاغ من الديوان الملكي المغربي يوم 25 أكتوبر 2022 أجرى جلالة الملك محمد السادس نصره إتصالا هاتفيا مع جلالة الملك تشارلز الثالث ملك بريطانيا العظمى و إيرلندا الشمالية حيث أكدا على الدينامية التي تعرفها العلاقات الثنائية بين البلدين و الشعبين هذه العلاقات التي تطبعها الروابط الشخصية القوية التي تجمع العاهلين و التقدير المتبادل بينهما التي تؤثر بشكل إيجابي على العلاقات العميقة والعريقة بين العائلتين الملكيتين .
العلاقات المغربية البريطانية تعود لبداية القرن الحادي عشر عندما أرسل جون الأول ملك إنجلترا سنة 1213 م أول بعثة دبلوماسية للمغرب لإجراء إتصالات مع محمد الناصر ، السلطان الرابع في الدولة الموحدية ، وتعتبر هذه المهمة الديبلوماسية نقطة إنطلاق علاقة مثمرة نمت وتقوت على مر القرون حيث مرت 800 سنة من العلاقات المغربية–البريطانية والتي تميزت بعدد من الأحداث البارزة، من بينها التحالف الأنجلو مغربي ضد إسبانيا في عهد الدولة السعدية و العلاقات المتميزة بين الإمبراطورية البريطانية و الدولة العلوية المجيدة في عهد السلطان مولاي إسماعيل و سيدي محمد بن عبد الله ، حيث إستقبل المغرب سفارات إنجليزية متعددة بمدينة مكناس عاصمة الدولة العلوية المجيدة و مدبنة السلاطين و الملوك في ذلك الوقت .
حيث جمعت هذه العلاقات بين العائلتين المالكتين في كل من المملكة المتحدة و المملكة المغربية و اللتين تتميزان بتقاليد ملكية عريقة مشتركة، في عهد الملكة الراحلة إليزابيت الثانية و المغفور له الملك الحسن الثاني تم تبادل الزيارات بين العاهلين و باقي الأمراء حيث سجلت زيارة سابقة للأمير تشارلز عندما كان وليا للعهد و الامير هاري و زوجته إلى المغرب .
الإستثمارات البريطانية بالمغرب بلغت حوالي 3 مليار دولارسنة 2018 كرقم معاملات مهم في مجالات متعددة كالطاقات المتجددة والسياحة والتعليم والصحة والفلاحة والتكنولوجيا والقطاع المالي والبحث على الغاز و البترول
في المجال السياحي تحتل بريطانيا الرتبة الثانية من حيث عدد السياح ب 750 ألف سائح في السنة الماضية 2019 ويطمح مهنيو القطاع الوصول إلى مليون سائح.
و تقدر قيمة الصادرات المغربية إلى بريطانيا خلال سنة 2018، بحوالي 850 مليون دولار بينما تبلغ قيمة الواردات المغربية من السوق البريطانية حوالي 870 مليون دولار.
في سنة 2021 وقعت كل من بريطانيا والمغرب إتفاقية لبناء أطول كابل كهربائي تحت سطح البحر في العالم، يمتد على مسافة 3800 كيلومتر، وتبلغ قيمة إنجازه 16 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل تقريبا 200 مليار درهم بهدف تزويد بريطانيا بـ”الطاقة النظيفة” إذ يتوقع أن يحوّل هذا الكابل الطاقة الشمسية والريحية من الصحراء المغربية إلى بريطانيا ليؤمن الكهرباء لحوالي 7 ملايين منزل.
في جانب آخر المغرب و نيجيريا بدءا بناء أكبر أنبوب بحري لنقل الغاز من نيجبريا إلى أوروبا و بريطانيا أكيد ستكون لها مصالح في هذا الأنبوب خاصة بعد التجاذبات التي عرفها سوق الغاز في أوروبا نتيجية الحرب الروسية الأوكرانية .
العلاقات المغربية البريطانية تعرف دينامية كبيرة في السنوات الأخيرة كما أن المملكة المغربية و نظامها الإقتصادي المتسم بالإستقرار و المرونة و الصمود يشكل عامل جذب لرؤوس الأموال البريطانية التي تعتمد على المغرب ليكون بوابة جديدة لعودة بريطانيا إلى إفريقيا .
كما ان التنسيق الأمني و العسكري المغربي البريطاني جد متقدم في جميع المجالات حيث تشارك بريطانيا سنويا بشكل فاعل في مناورات الأسد الإفريقي و تحافظ علاقات أمنية جد متطورة بين البلدين سواء في مجال مكافحة الهجرة أو محاربة الإرهاب .
أخيرا ريشي سوناك يتولى رئاسة الحكومة البريطانية في ظل صعوبات داخلية صعبة على المستوى الإقتصادي و الإجتماعي و تحديات خارجية تتمثل في الحرب الروسية الأوكرانية و تداعيات كورونا الجيوسياسية على الخريطة العالمية و مشكلة الهجرة و التحدي الصيني و أزمات التغير المناخي.
سوناك هو خامس رئيس وزراء لحزب المحافظين في أقل من سبع سنوات يتأخر حاليا بأكثر من 30 نقطة خلف حزب العمال المعارض في إستطلاعات الرأي و هو مطالب بالعمل على تحصين مكتسبات الحزب السياسية فالوقت المتبقي لإجراء الإنتخابات هو سنتين و لديه كل الإمكانيات للتغلب على المشاكل و إدارة الأزمات و إستعادة شعبية حزب المحافظين ، بالإضافة إلى إدارة الصراع الداخلي في الحزب بشكل يحفظ وحدته و يساهم في دعم جهوده حكومته.