المجانية في الحقل الثقافي والفني بالمغرب تعود إلى الواجهة

العاصمة بريس
م.اشباني..أكادير
أتاحت مجانية الولوج التي وفرتها النسخة 20 من مهرجان البولفار، بمدينة الدار البيضاء، فرصة لتضاعف أعداد الجماهير الشابة، التي تابعت حفلات التظاهرة، وتسبب عدد منها في وقوع أحداث شغب. ما وقع، أعاد سؤال المجانية في الحقل الثقافي والفني بالمغرب إلى الواجهة.
مكنت النتائج المحصلة من الدراﺳﺔ الميدانية المنجزة من قبل ﻓدراﻟﯾﺔ اﻟﺻﻧﺎﻋﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻹﺑداﻋﯾﺔ، اﻟﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻼﺗﺣﺎد اﻟﻌﺎم ﻟﻣﻘﺎوﻻت اﻟﻣﻐرب، في يناير 2020 تحت عنوان “أي ﺗﺣوﻻت ﻟﻠﺻﻧﺎﻋﺎت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻹﺑداﻋﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣﻐرب؟”، ومن تقريري المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الصادرين سنة 2016 تحت عنوان “اقتصاديات الثقافة”، و”الصناعات الثقافية والإبداعية وتحديات التنمية”، من الوقوف عند مفهوم الطلب الثقافي في المغرب، والقدرة الشرائية للمغاربة، ثم المبالغ المخصصة للمنتوج الثقافي.
هشام عبقري: تذكرة مقابل جودة العمل الفني
يربط هشام عبقري، مؤطر في الهندسة الثقافية، أداء ثمن تذكرة من قبل المواطن/ الزبون بتقديم منتوج ثقافي قابل للاستهلاك من الأخير. ويقول في السياق:”إذا كان المنتوج الثقافي/ الفني موسيقيا، فإنه ينبغي أن يكون متجددا ومختلفا ومواكبا لمتطلبات السوق. وإذا كان مسرحيا، فيشترط فيه أن يعتمد على نص جيد، ويتضمن مشاركة وجوه فنية لها رصيدها الجماهيري، لضمان اقتناء تذكرة لمتابعته من قبل المستهلك”.
ويواصل عبقري توضيحاته بقوله: “عندما نتحدث عن سوق ثقافي، فإننا نتساءل عما الذي يريد الزبون استهلاكه، كما نتحدث عن القدرة الشرائية للأخير، وعن العينة التي نستهدفها من خلال هذا المنتوج الثقافي/الفني”.
يختم عبقري في هذا الإطار، بقوله “لكي يتم اقتناء التذاكر الخاص بالمنتوج الثقافي غير المدعم، فإن الأمر يقتضي أن يحكمه قانون المنافسة في السوق”.
ويستدل هشام عبقري، في كلامه المتعلق بضرورة تبني مفهوم السوق الثقافي في الوقت الراهن، بالدينامية التي شهدها الواقع الفني خلال سنوات التسعينيات. ويقول: “اتسمت الساحة الفنية في التسعينيات بدينامية ملموسة، من خلال انتعاشة الحركة المسرحية، في ظل تقديم عدد كبير من العروض التي كانت تقدم وصلتها الإشهارية على شاشة التلفزة المغربية، مقابل شراء الأخيرة للعرض، وبثه بعد نهاية جولات الفرق المسرحية”.
“لقد كان منتج المسرحية يصرف ميزانية لتنفيذ العمل، بناء على نص يتماشى مع متطلبات الجمهور، ويشخص أدواره ممثلون معروفون في الساحة الفنية، فتحقق المسرحية النجاح الجماهيري والإيرادات المادية التي تستخلص منها ضرائب تؤدى للدولة”، يقول عبقري ويضيف:” “لقد تحقق حينها نوع من العدالة المجالية في المجال الثقافي، لأن عروض المسرحيات كانت تشمل جل ربوع المملكة.
مسعود بوحسين : ضرورة تقويم النموذج الاقتصادي الفني
يؤكد مسعود بوحسين، رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الفنون الدرامية، على إيجابية الدعم الممنوح من قبل الوزارة الوصية لمختلف المشاريع الفنية والثقافية، مع الإشارة إلى ضرورة تقويم النموذج الاقتصادي الخاص به.
يقول بوحسين في السياق: “أنبه إلى أن هناك نوعين من الدعم: أولهما دعم الإنتاج الذي يصرف في تنفيذ العلم، ثم دعم الترويج الذي يفترض فيه أن يكون مضاعفا، لأن الغاية من إنتاج العمل الفني عرضه بشكل واسع ليتمكن الجمهور العريض من مشاهدته”.
ويلفت بوحسين إلى أن الحديث عن الصناعة الثقافية يقتضي إدماج المواطن/ المستهلك في منظومتها، لأنه يفترض في المنتوج الثقافي تحقيق غايتين: إما اقتصادية من خلال تحقيق إيرادات مالية وأداء ضرائب ومستحقات جبائية للدولة، أو ثقافية من خلال تأثيره بشكل في المستهلك/المتلقي، أو تمثيله المغرب وتتويجه في محافل وطنية وعربية”.
وفي ما إذا كانت مجانية العروض الثقافية/الفنية تؤثر على مستواها، أكد بوحسين أن الترويج الجيد للعروض المسرحية يكفل تجويدها. والحال، يقول بوحسين، “إن قانون الدعم المسرحي مثلا يفرض تقديم 10 عروض فقط في مسارح ومركبات ثقافية بناء على دعوات بعيدا عن التذاكر، مادام الهاجس هو بلوغ هذا العدد للتمكن من تقديم ملف دعم آخر برسم الموسم المسرحي الموالي”.
وهنا يدعو بوحسين إلى ضرورة تغيير مفهوم الموسم المسرحي، لافتا إلى أنه لا مانع من تقديم عروض إضافية لمسرحية ناجحة على امتداد مواسم متتالية، مقابل تذكرة بسعر رمزي ليتمكن الجمهور العريض من مشاهدتها”.