البرجوازية المواطنة

بقلم : محمود حمير
كنا قد تشاركنا في مقالات سابقة بعض الإجتهادات الشخصية في ما يخص أهمية التكافل الإجتماعي خصوصا في ظرفية بعض الأزمات العابرة.
ومن ضمن هذه الأفكار، جاء مفهوم البرجوازية المواطنة، التي بجانب إسهامها في خلق دينامية ذات نفعية مزدوجة داخل منظومة الإنتاج، عن طريق الإستثمارات و خلق فرص مباشرة و غير مباشرة للشغل، فباستطاعة هذه البرجوازية أن تساهم بشكل فعال في الإستثمار في العنصر البشري و النهوض بالاقتصاد الوطني و تسريع عجلة نمو الإقتصاد.
من أجل تزكية الشعور بالإنتماء للأوطان و الحرص على ضمان سلامتها و استقرارها الإجتماعي، يمكن أن تصبح هذه الطبقة البرجوازية أكثر رقيا عندما تتخلى عن الصورة النمطية التقليدية التي تجعل منها مجرد تحالف طبقي يحتكر سلسلة الإنتاج و يسيطر على جل موارد البلاد و يتعامل ببراغماتية مطلقة قد تصل إلى حد التمييز العنصري أحيانا مع الشرائح الإجتماعية الدنيا و المتوسطة، لتتبنى لاحقا توجها أكثر إنسانية بانخراطها الفعلي في مسلسل التنمية البشرية على الصعيدين المحلي و القومي.
لنفرض جدلا أن بعض المتطوعين من كبار رجال الأعمال قرروا يوما ما الإستثمار في العنصر البشري محليا عن طريق دعم بعض المبادرات الفردية ماديا و مواكبة هذه المشاريع الصغرى منذ البداية حتى تخطي العقبات الأولية للإنتاج و إنجاحها ميدانيا، ألن يشكل هذا نموذجا تنمويا مثاليا، خصوصا إن حمل إسم صاحب المبادرة و ممولها؟
قد تكون هذه المبادرات عبارة عن مشاريع دعم و تمويل الأفكار الشابة كفرصة و انطلاقة، لكنها إن توفرت بشكل أكبر خصوصا على الصعيد المحلي، ستخلق طفرة نوعية في إنتاجية الأفراد و ستساهم في خلق وضع إقتصادي جديد تماما، قد تستفيد منه كل مكونات المجتمع.
قد لا يشكل هذا النوع من المبادرات عبئا ثقيلا على كاهل البرجوازية إن تم تخصيص غلاف مالي بسيط بالمقارنة مع المداخيل الهائلة للشركات الكبرى، ثم يمكن جعل سداد قروض الدعم على شكل أقساط بعد إنجاح هذه المشاريع… لكنه في المقابل سيخلق واقعا اجتماعيا جديدا يقلص الفوارق الطبقية و يمحو تدريجيا المفهوم التقليدي للصراع الطبقي المستمر منذ عقود و اللذي لن يخلق إلا المزيد من التحاقن داخل المجتمع.
فكرة البرجوازية المواطنة هي فكرة تضع إنسانية الإنسان و مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، و تتجاوز المفاهيم الفردانية و التهافت على الإستثراء نحو أرقى مراحل الوعي و الرقي الفكري، خصوصا في هذه المرحلة التي تحتاج الأوطان بشدة إلى تكافل جهود كل أبنائها للمضي قدما نحو المستقبل بخطى ثابتة.
“لا تعلمني كيف آكل السمك، لكن علمني كيف أصطاد السمكة”
تصبحون على وطن…