2020.. سنة الأوجاع والأحزان!
اسماعيل الحلوتي
أيام قليلة في العد وثقيلة على القلب باتت تفصلنا عن نهاية السنة المشؤومة 2020، التي صار المغاربة يتطيرون حتى من ذكرها همسا بينهم، ويستعجلون أفول آخر شموسها لينفسح المجال أمام انبلاج فجر جديد، ليس رغبة منهم في إحياء ليلة رأس السنة واستقبال العام الميلادي الجديد 2021، وإنما أملا في طلوع “شمس” أخرى تعيد إلى حياتهم ذلك الدفء المفقود، والتخلص النهائي من سنة تجرعوا خلالها ألوانا من المرارة ولم يعرفوا في أيامها ولياليها عدا الأوجاع والأحزان، تاركة من الندوب العميقة في القلوب ما لا يمكن أن يندمل سريعا…
ويعود وصف سنة 2020 بالمشؤومة، لكونها عرفت حدثا بارزا هز بلدان العالم وشغل بال الناس، على إثر تفشي جائحة كورونا المستجد أو داء “كوفيد -19″، الفيروس اللامرئي والسريع الانتشار بين البشر، الذي عرف نشأته الأولى بمدينة ووهان في الصين الشعبية أواخر عام 2019، ومن ثمة اجتاح كافة بقاع الأرض. حيث انتقلت العدوى في لمح البصر وبشكل مباغت إلى ملايين الأشخاص، وحصدت آلاف الأرواح البشرية بلا أدنى رحمة ولا تمييز بين أبيض وأسود، ولا ذكر وأنثى، ولا كبير وصغير،
ولا وزير وغفير، ولا غني وفقير…
ذلك أن الفيروس التاجي ليس بالفيروس الهين الذي يمكن القضاء عليه دون كبير عناء، بل يعد من أخطر الأوبئة العالمية الحديثة، إذ لم يتأخر في بعثرة معالم الحياة والعادات وأنهك جميع اقتصادات البلدان المتقدمة والمتخلفة، فضلا عن أنه فرض على الناس في كل المعمور قيودا لم يعتادوا العيش عليها من قبل، من حيث ضرورة الالتزام بعديد الإجراءات الاحترازية والوقائية منها الحجر الصحي الشامل وعدم مغادرة البيوت إلا عند الحالات القصوى لبضعة شهور، النظافة المستمرة وخاصة تطهير الأيدي، استعمال الكمامات الواقية، التباعد الاجتماعي، عدم التجمهر، تعليق الدراسة الحضورية وتعويضها بعملية “التعليم عن بعد”، والرحلات الجوية والملاحية، منع الأنشطة الرياضية والثقافية وأداء الصلوات بدور العبادة وإقامة الحفلات والأعراس…
ففي سنة 2020 شهد سكان المعمور أحداثا غير مسبوقة، جعلتهم يحيون وضعا استثنائيا شكل منعرجا كبيرا في تاريخ الإنسانية جمعاء، ليس فقط على مستوى خطورة جائحة كورونا في حد ذاتها، بل لما ترتب عن تفشيها من عواقب وخيمة اقتصاديا واجتماعيا وصحيا ونفسيا وسياسيا. إذ عاش خلالها المغاربة تجربة قاسية لم يكن حتى أكبر المتشائمين يتوقعها. ولم ينفع في تجاوز آثارها القاسية لا “صندوق كورونا” المحدث بتعليمات ملكية قصد تعزيز قدرات المنظومة الصحية التي تعاني من الهشاشة وضعف البنية التحتية والتجهيزات اللازمة وخصاص صارخ في الموارد البشرية. ودعم القطاعات المتضررة والأسر التي فقدت موارد رزقها. ولا ذلك التضامن الشعبي الكثيف بين مختلف فئات المجتمع المغربي، الذي أشادت بها الكثير من الدول وكبريات المؤسسات الإعلامية الأجنبية.
ثم إنه إضافة إلى ما عرفته معظم القطاعات الاقتصادية من تأثر سلبي وتباين في الأضرار من قطاع لآخر، وما تستدعيه الفترة المقبلة من تضافر الجهود وحس بالمسؤولية وروح المواطنة الصادقة في وضع استراتيجيات وطنية مندمجة ومخططات استعجالية للنهوض بالقطاعات الأكثر تضررا وفي مقدمتها السياحة والطيران. هنالك أيضا خسارات كبرى في عدد الأرواح التي لا يمكن تعويضها بأي ثمن، إذ نادرا ما تخلو أسرة أو عمارة أو حي من أثر للجائحة في سائر المدن المغربية، فمن لم يفقد أحد والديه أو هما معا، فقد جده أو جدته أو قريبا أو صديقا وغيره. كما أن الجائحة اختطفت من بيننا أعدادا أخرى مهولة من عناصر “الجيش الأبيض”، والكتاب والأدباء والسياسيين والفنانين والإعلاميين وسواهم، دون أن نكون قادرين حتى على إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على جثتهم وتشييع جنائزهم إلى مثواهم الأخير، ناهيكم عن الإصابات المؤكدة والحالات الحرجة المتعافية وما يعانيه أصحابها من آثار نفسية عميقة.
سنة 2020 هي إذن سنة المآسي والذكريات الموجعة، ففيها حرم المواطنون من زيارة عائلاتهم وآبائهم وأمهاتهم، وفيها علق بعضهم خارج الحدود عدة شهور، وفيها من فقدوا أقاربهم وأصدقاءهم وجيرانهم، وفيها كذلك من فقدوا حتى موارد رزقهم، عندما أجبرت الأزمة الاقتصادية عديد المقاولات على تسريح آلاف العمال والمستخدمين، الذين أصبحوا فجأة دون دخل مشردين رفقة عائلاتهم وغير قادرين على تأمين مستقبل أبنائهم…
ثم إنه ولأول مرة يستقبل فيها المغاربة الشهر الأكثر قدسية “رمضان” في ظروف استثنائية، بعد أن أرخت جائحة “كوفيد -19” بظلالها على كافة مظاهر الحياة، ليفقد بذلك الشهر الأبرك أبرز سماته ومميزاته من الطقوس المألوفة. فقد وجدوا أنفسهم محرومين من تلك اللقاءات العائلية الدافئة والمعهودة في تناول وجبات الإفطار الجماعية وإحياء السهرات الدينية بعد صلاة التراويح في المساجد، وغابت موائد الرحمان التي كانت تحتضن آلاف الفقراء والمشردين وعابري السبيل…
ولأول مرة كذلك يمر عيد العمال السنوي في أجواء كئيبة، بفعل احتجاب الاحتفالات والمسيرات والمهرجانات الخطابية، واضطرار المركزيات النقابية إلى إحياء فاتح ماي في العالم الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، عوض تلك التجمعات التقليدية والمسيرات الصاخبة بالهتافات وترديد الشعارات.
إن المغاربة اليوم يترقبون بشوق انطلاق عملية التلقيح التي سبق الإعلان عنها، يحدوهم الأمل الكبير في التخلص من وباء كورونا الفتاك، وطي صفحة سنة 2020 المليئة بالأحزان والأوجاع، واستقبال سنة ميلادية جديدة 2021 تكون بداية عهد زاخر بالإنجازات الهائلة والآفاق التنموية الواعدة…