الهدر المدرسي و انعكاساته على سلوك الفرد و المجتمع.

عبد الصمد صدوق / أزيلال
تتعدد مسميات هذا المفهوم و تختلف الكتابات التربوية ، في توظيف هذا المصطلح ، فأصبح من الصعب تحديده بوجه عام ، نظرا لاختلاف الظواهر التي تؤول اليه .
فلما نتحدث بشكل خاص عن الهدر المدرسي ، فنعني به ذلك الإنحراف الذي يطرأ على سيرة التلميذ الدراسية ، في مرحلة معينة ، دون أن يتم دراسته لأسباب متباينة .
لكن هذه الظاهرة نفسها يفسرها بعض الأكاديميين و التربويين ، بمعنى آخر ، على أنها تنتج عن الفشل الدراسي الذي يعتري مسار التلميذ ، و المرتبط بما نسميه بالتعثر الدراسي الموازي إجرائيا للتأخر.
كما تتناول العديد من المصادر معانٍ أخرى لهذه الظاهرة المدرسية ، و تتضارب الأراء حولها ، فهناك من ينظر اليها من وجهة نظر خاصة ، و يعني بها التخلف و اللاتكيف الدراسي ، و غيرها من المفاهيم و الايديولوجيات ، التي تنضوي كلها تحت مايتفق الجميع على تسميته بالهدر المدرسي و الذي اصبح يشكل عائقا كبيرا أمام التنمية و ينعكس سلبا على مستقبل الأفراد .
كما ان هذه المفاهيم كلها من شأنها ايضا ان تجعل سوسيولوجية التربية ، تضع النقط الاساسية على الأسباب الداخلية للمؤسسة التربوية ، من خلال انتاجيتها.
وحينما نتحدث بشكل عام عن الهدر المدرسي باعتباره انقطاع التلاميذ عن الدراسة بشكل نهائي قبل استكمال المرحلة الدراسية ، او ترك الدراسة قبل انهاء مرحلة معينة ، لأسباب اجتماعية نفسية او إقتصادية وتربوية..
وكيفما كان هذا التعريف الذي نرتضيه و نبحث عنه ، ليكون شاملا و مختصرا لهذه الظاهرة ، التي اصبحت تؤرق المجتمعات العربية بشكل عام ، فإننا يجب ان لا نقع في تشعب المصطلحات و المعاني ، لكن يبقى الأساس من هذا كله هو أن نعي بحجم خطورة هذه الظاهرة و تأثيرها على الفرد و المجتمع ..
و نحاول قد الإمكان ان نجتهد اكثر في ايجاد حلول عملية رادعة لها ، و استكناه أسبابها وان كانت مستخفية وغير محددة بدقة ، اضافة إلى كونها غير مرتبطة ايضا بعامل معين ، ذلك انه يتداخل بين ماهو ذاتي و شخصي و بماهو اجتماعي و اقتصادي، دون اغفال الجانب التربوي أيضا من تأثيره في هذه المسألة.
و تبقى حيثيات هذه الظاهرة من العوامل المناوئة للنظام التعليمي ، و القادرة على شل سيرورة التنمية الإجتماعية ، وصولا الى تفشي الأمية والجهل و التخلف و الإنعزالية ، والتمرد و الانحراف ، بعيدا عن التطور و الانفتاح.
ان ظاهرة الهدر المدرسي لاشك أنها تشكل معضلة تربوية كبرى ، لكونها تحول دون استمرار أداء المنظومة التربوية على نحو جيد ، خصوصا في العالم القروي ، مما ينتج عن ذلك نزيف كبير ، على مستوى الموارد البشرية و المادية ، و ينعكس سلبا على مردوديتها و انتاجيتها.
وحسب معطيات رسمية فإن نسبة الإنقطاع عن الدراسة ترتفع لدى الإناث خاصة في العالم القروي ، فالفتاة يتم فصلها عن الدراسة مباشرة بعد اتمام الطور الابتدائي ، بسبب عادات و تقاليد بعض الأسر القروية ، التي لا تقبل على تعليم البنات اطلاقا ، معتقدين ان بيت الزوج ، “زوج المستقبل ” هو مآلها واقصى أحلامها هذا من جهة ..]
و من جهة ثانية فإن الذكور بعضهم قد ينقطع بسبب عوامل يفرضها الوسط الاجتماعي ، فحياة الطفل تبقى مستقرة مادام الإستقرار الأسري قائم ومنسجم ، لكن ما أن يحصل توتر في العلاقة الأسرية بين الآباء كأن يطلقا مثلا ، حتى يتسرب تأثير ذلك الى نفسية الطفل و تتحول حياته الى كابوس ، فالطلاق و الخصام و التعذيب النفسي و الجسدي كلها من العوامل ، التي تخلق لدى الطفل حالة من الشرود و الحرمان العاطفي ، والاحساس بالضعف و الرغبة في الإنعزال فيبدأ التراخي و الإهمال في آداء واجباته المدرسية ، و تسجل الادارة التربوية ملاحظات غيابه المتكرر و تراجعه في المعدلات السنوية ومن تم يحصل التهرب الكلي من المدرسة ، ممايؤدي بالأطر الإدارية الى اتخاذ قرار فصله بشكل نهائي ، و هذا يحدث بسبب تشردم بنية العائلة
وفي نفس الإطار يكون الوسط الأسري له تأثير كبير على التحصيل العلمي للطفل ، و بالتالي استمراره او من عدمه في مرحلة معينة من التعليم.
وفي ارتباط بالوسط الأسري أيضا فقد يكون السبب رفقاء السوء الذين بدورهم يشجعون الطفل الضحية على مغادرة الدراسة ، فضلا عن سلوك الأطر التعليمية بدورها ايضا قد تساهم بشكل كبير في الإنقطاع بسبب الضرب المبرح و التعنيف الجسدي و المعنوي و الاستهانة بإمكانيات التلاميذ .