المرأة القروية وجه متفائل بتجاعيد أحدثتها سنين المعاناة .

عــبــد الصـمــد صـــدوق / أزيلال
في إحدى الربوع القاصية المتوارية عن الأنظار ، بأحد أقاليم المغرب العميق ، المنتمي إلى إحدى سلاسله الجبلية الممتدة ، بالكاد لاتصلها أعمدة الكهرباء ، ولا محاور طرقية معبدة ، وسط تضاريس جبلية قاسية ذات مسالك وعرة تتخللها غابات كثيفة ، يتخيل للقادم إليها للوهلة الأولى أن هذه البقاع خالية من كل ذي نفس حية .
تقبع عائلات و أسر استوطنت في بيوت طينية متواضعة ، وبعض منها آتخذ كهوفا ومغارات ، مساكن لهم ، في قمم الجبال و سفوحها ، فظلت على هذا الحال ، تعاني في صمت طويل ، و تعيش عزلة تامة و تحيا على إيقاع حياة رتيبة ، أعتى أشكال المعاناة وشظف العيش ، طيلة الحياة.
تعد المرأة بشكل عام عنصرا ديناميكيا وحيويا في المجتمع ، الى جانبها المرأة القروية المناضلة بمثابة قطب الرحى الذي بدونه لا تنسجم الحياة في دورانها ، فمهامها شاقة الى حد كبير ، تفرض عليها البيئة الجبلية أن تظل عنصرا صابرا و مناضلا ، يتكبد عناء الأعمال المنزلية الشاقة و المضنية ، بجلادة و حزم ، فهي دوما معتادة على الإستيقاظ باكرا ، والعناية بالبيت و الأولاد ، و مشاركة الزوج في مختلف الأنشطة الفلاحية، التي يقوم بها ، وأحيانا ينضاف الى هذا الكم الهائل من الشقاء ، محنة مشتركة، تتمثل في تربية الأبناء ورعايتهم وضمان استقرارهم ، كلما غاب الأب عن البيت لظروف مختلفة .
كدأبها حين تشرق الشمس من خدرها ، تعد وجبة الإفطار لأبنائها و زوجها ، وتطلق الماشية من الحظائر ، لترعى بمفردها حين لا يوجد من يعينها على حراستها فتنتشر في المراعي المجاورة بحثا عن موضع العشب، و تجهز البهائم لجلب الماء من العيون البعيدة ، وتقطع في سبيل ذلك مسافات طوال ، تربو على كيلومترين ، وحين عودتها تذهب الى الغابة لجمع حطب التدفئة ، وتحملها على ظهرها، قافلة إلى بيتها ليتسنى لها بذلك مقاومة موجات البرد خلال مواسم الشتاء.
هذه المادة الثمينة التي هي” الحطب” خير معين لساكنة الجبل ، في المواسم الصقيعية الباردة ، التي تعرف خلالها الجبال موجات البرد القارس مع كثافة الثلوج ، بحيث تساعدهم في توفير التدفئة ، وإعداد الطعام بالدرجة الأولى .
هي حياة أقصى مايمكن القول على أنها قاسية و صعبة ، فقد أقصتها هذه الظروف القاهرة ، وهمشتها بل حرمتها ، من التمتع بأبسط حقوقها الإجتماعية ، وظلت رهينة المحن مقيدة بوثاق محكم ، وكأن ذلك الشقاء كله مصيرها المحتوم الذي فرضته عليها ظروف العيش بالمناطق الجبلية ، وفي ظل هامش قروي منسي ، لا يلتفت اليه الجميع ، فاصبحت بذلك كائنا ميكانيكيا ، وظيفته الإشتغال بلا فتور بروتينية الربوتات، وتعمل وفق نظام يمليه عليها الدهر من شواغل لا تنتهي ووظائف لا حد لها .