عندما رفضت إليزابيث ملكة بريطانيا هدية فاخرة من باشا مراكش..

خليفة مزضوضي مدير مكتب جهة مراكش آسفي

في 8 أبريل 1953 وجه ونستون تشرتشل رسالة للحاج التهامي الڭلاوي، باشا مراكش، يدعوه فيها إلى حضور حفل تتويج الملكة إليزابيث الثانية، وهو الحفل الذي سيعقد وقتها يوم 2 يونيو 1953.

وجاء ضمن الرسالة التي وجهها الوزير الأول البريطاني، الذي كانت تربطه بالباشا الڭلاوي علاقة متينة، ذكر اللقاءَات التي جمعتهما، سواء بمراكش أو لندن. وكتب تشرتشل في تلك الرسالة للباشا الذي وافته المنية في 23 يناير 1956: “سمعت بأنكم ستكونون بإنڭلترا هذا الصيف خلال تتويج الملكة، إذا كان الأمر كذلك سأكون مسرورا بأن تكونوا ضيفي الخاص”.

وزاد تشرتشل في الرسالة ذاتها: “إذا كان يهمكم مشاهدة الموكب الملكي يوم 2 يونيو، أرجو أن يكون بإمكانكم قبول هذه الدعوة؛ وعلى كل حال فأنا مشتاق لرؤيتكم متى حللتم بهذا البلد”.

ويعود أول لقاء للباشا الڭلاوي بونستون تشرتشل إلى 1937 بالجنوب المغربي، لكن علاقة الرجلين توطدت بعد تعاقب تشرتشل على زيارة مراكش وإقامته بفندق المامونية. وتعمد الڭلاوي إكرام الرجل كما هي عادته في استمالة الأوروبيين عبر إغراقهم بالهدايا ودعوتهم لموائد باذخة.

حتى إن تشرتشل كتب في رسالة تعود إلى 1951 أنه تلقى ديكين روميين من الڭلاوي، إذ كتب: “بعد عودتي مباشرة من تنغير، تلك الجنان الفاتنة لمن هم رسامون مثلي، وجدت في الفندق الديكين الروميين اللذين أكرمتموني بهما، مع خطابكم، فتقبلوا شكري على الهدية والطيبوبة واللباقة وحسن الضيافة التي حففتموني بها”.

ذهب وألماس وزمرد

إلا أن دعوة تشرتشل لباشا مراكش جاءت هذه المرة لحضور حفل التتويج في عز الخلاف الذي نشأ بين الڭلاوي والسلطان محمد بن يوسف، وإن كان ابنه عبد الصادق الڭلاوي أورد في كتابه “أبي الحاج التهامي الڭلاوي: الأوبة” أن تلك الدعوة “لم تكن سوى علامة من الصداقة الشخصية التي تربطه بأكبر شخصية بريطانية”، موردا في الكتاب نفسه عددا من الرسائل التي تربط الباشا القوي بونستون تشرتشل وبعدد من الشخصيات المهمة في تلك الفترة.

مع ذلك فقد حزم باشا مراكش القوي أمتعته وسافر نحو لدن نهاية شهر ماي، وحمل معه هدية فاخرة للملكة إليزابيث عبارة عن قلنسوة من الذهب ومرصعة باثنتي عشرة زمردة بحجم بيض الحمام وبالألماس.

ولم ينس الڭلاوي أن يأخذ معه هدية ثمينة للأمير فيليب أيضا، إذ اختار له من مخزوناته خنجرا مغربيا غمده من الذهب الخالص ومرصع بالأحجار الكريمة، ثم سافر بهذه الهدايا نحو مدينة لندن لتقديمها في حفل التتويج، الذي دعي إليه ليشاهد مراسيمه من منصة الوزير الأول البريطاني.

الملكة ترفض هدايا الڭلاوي

ورغم أن الڭلاوي حضر حفل التتويج إلا أن الملكة إلزابيث رفضت أن تقبل هداياه الفاخرة، وقد كلفت الوزير الأول البريطاني ليبرر ذلك في رسالة مؤرخة في 14 يونيو 1953.

كتب ترتشل للڭلاوي في تلك الرسالة أن الملكة تعبر عن شكرها الصادق لتلك الهدايا الفاخرة التي جلبها باشا مراكش إلى لندن، مخبرا إياه بأن هناك “قاعدة صارمة” تتبعها الملكة بخصوص قبول الهدايا، فهي تقبلها فقط من رؤساء وملوك الدول.

ولم يفوت تشرتشل أن يؤكد للڭلاوي أن الملكة متيقنة من حسن نواياه، معيدا إليه هداياه الفاخرة، التي عاد بها من جديد نحو مراكش.

وكتب عبد الصادق الڭلاوي تعليقا على هذا الحدث في “الأوبة” الذي سرد فيه محطات مهمة من حياة والده باشا مراكش: “شهد الحاج التهامي الڭلاوي حفلة تتويج الملكة في لندن في مقصورة الوزير الأول، وعاد بهداياه من غير أن يرى في ذلك أي مساس بشخصه”، وزاد: “ما كان يهمه هو أن تعلم الملكة بنيته تقديمها إليها؛ كما تفهم جيدا موقف صديقه المتحفظ من الآثار التي تركها الحدث بالمغرب”.

ويخلص ابن الباشا في فقرة أخرى إلى أن ذلك الحدث “لم يترك أثرا سيئا يذكر على علاقات الصداقة التي تربط بين الوزير الأول البريطاني والڭلاوي، فسنجدهما بعد ذلك معا في لندن سنة 1954″، مضيفا: “وفي 1955 خلال المرض الأخير للڭلاوي، حرص السير ونستون على السؤال عن أحوله الصحية، وحافظ على علاقات صداقة كبرى مع أبنائه بعد وفاته”.

 




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...