التسامح والعفو عند المقدرة

خليفة مزضوضي مدير أكاديمية الأنطاكي الدولية الخاصة للتدريب والبحث والإبتكار

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَجْمَلَ العَفْوَ وَالصَّفْحَ، مَا أَجْمَلَ التَّعَامُلَ مَعَ الآخَرِينَ بِالفَضْلِ، مَا أَجْمَلَ دَفْعَ السَّيِّئَةِ بِالحَسَنَةِ، مَا أَجْمَلَ سَلَامَةَ الصَّدْرِ وَرَحَابَتَهُ، مَا أَجْمَلَ الأَخْلَاقَ، مَا أَجْمَلَ الْتِزَامَ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾.
بِالعَفْوِ وَالصَّفْحِ وَبِالفَضْلِ وَبِسَلَامَةِ الصَّدْرِ وَحُسْنِ الأَخْلَاقِ تَكُونُ الدَّعْوَةُ إلى اللهِ تعالى، وَبِهَا يَكُونُ صَلَاحُ المُجْتَمَعِ، وَبِهَا يُؤَدَّبُ المُسِيءُ، وَبِهَا يَنْقَلِبُ العَدُوُّ صَدِيقًا صَحِيحًا، وَبِهَا يَكُونُ صَاحِبُهَا مَضْرِبَ مَثَلٍ، وَيَكُونُ لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ في الآخِرِينَ.
كُلُّ هَذَا نَتَعَلَّمُهُ مِنْ قِصَّةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا وَقَفَ أَمَامَهُ إِخْوَتُهُ، وَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾. لِنَنْظُرْ إلى مَوْقِفِ المُسِيءِ إِذَا انْجَلَتِ الحَقِيقَةُ، كَيْفَ يَكُونُ حَالهُ، وَكَيْفَ يَكُونُ ضَمِيرُهُ ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾.
وَهُنَا قَالَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَلِمَةَ العَفْوِ، مَعَ كَامِلِ الوُدِّ وَالشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ، لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغَيِّرَ قَدَرَ اللهِ تعالى، قَالَ لَهُمْ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.
نَعَمْ، هَكَذَا شَأْنُ الكِرَامِ، هَكَذَا شَأْنُ عِبَادِ الرَّحْمَنِ، هَكَذَا شَأْنُ مَنِ الْتَزَمَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.
وَهَكَذَا شَأْنُ مَنِ الْتَزَمَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ» ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا بُنَيَّ وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
التَّسَامُحُ وَالعَفْوُ عِنْدَ المَقْدِرَةِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى عَفْوِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى أَنْ يُسَامِحَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ؟ كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ أَنْ لَا يَفْضَحَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ؟
حَرِيٌّ بِنَا أَنْ نَتَجَاوَزَ عَنْ زَلَّاتِ الآخَرِينَ، لِنَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُلُوبٍ سَلِيمَةٍ ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.
حَرِيٌّ بِنَا أَنْ نَتَجَاوَزَ عَنْ زَلَّاتِ الآخَرِينَ، لَعَلَّ اللهَ تعالى يَتَجَاوَزُ عَنْ زَلَّاتِنَا ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَلَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ أَخْلَاقَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
فَهَلَّا تَخَلَّقْنَا بِأَخْلَاقِهِ، وَأَخَذْنَا بِهَدْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
بِالأَخْلَاقِ نَدْعُو المُجْتَمَعَ إلى الإِسْلَامِ وَمُتَابَعَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...