ما الشعب؟

 

ما الشعب؟

ابراهيم أقنسوس

من يسميهم الشعب، إشارة إلى كثرة سوادهم وعددهم، ومن يسميهم الأمة، تيمنا بماض بعيد وتاريخ سالف يراه أفضل الممكن، ومن يسميهم المواطنين، إشارة إلى المعنى القانوني والمعاصر لتحديد الوجود والانتماء، ومن يسميهم الجماهير، إشارة إلى القوة الضاغطة التي يختزنونها فرضا في صفوفهم.
كل هذه التسميات وغيرها يتم استعمالها وتداولها، وكل طرف يختار منها ما يليق باقتناعاته المذهبية والسياسية، إذا اتفقنا على وجود اقتناعات بالفعل، سواء تعلق الأمر بالمؤسسات والهيئات، أو تعلق بالأفراد والذوات. جميعهم يستعملون هذه الكلمات، بنسب متفاوتة، ولأغراض تتقارب وتتباعد، وجميعهم يقصدون المعنى العام نفسه، الأمر يتعلق بهذه الجموع من الناس، التي تعيش وتدب على هذه الأرض التي تسمى المغرب، والمؤكد طبعا أن استعمال هذه الكلمات يزداد نشاطا في مناسبات بعينها، مثل المواعد الانتخابية.

إن السؤال الذي لا تتم الإجابة عنه دائما وبالوضوح التام، هو ماذا تعني هذه الكلمات (الشعب / الأمة / المواطنون / الجماهير…) تحديدا بالنسبة لمستعمليها؟ وماذا يراد بها ولها بالنسبة لكل جهة وكل شخص، وخاصة بالنسبة لمن يفترض بداهة أنهم يعرفون ما يقولون، كما يفترض بداهة أنهم يدركون قيمة العبارات والمصطلحات حين إيرادها والتلويح بها؟
من هو هذا الشعب (الأمة / المواطنون / الجماهير…)، الذي لا يهتم في عمومه لكلام الساسة الذين يتحدثون باسمه، ولا يكترث لإنشاءاتهم الرتيبة في معظمها، ويسخر من معاركهم ومتاهاتهم التي لا تنتهي، ولا يشارك في الانتخابات إلا بنسب ضئيلة وعلى مضض، ولا يتابع المسار السياسي لبلاده، إن كان هناك مسار سياسي، ولا يهمه أن يعرف أعضاء الحكومة التي تتولى فرضا مسؤولية تدبير شؤونه، ولا أعضاء البرلمان الذي يتولى فرضا مسؤولية تشريع القوانين التي تخصه؟
لست أدري إن كان الكثير من الفاعلين، أو من يسمون كذلك، يعرفون حقا ما يقولون حين ينطقون بهذه الكلمات الضخمة والجامعة (الشعب / الأمة /…)، هل نستطيع أن نقول إن لدينا بالفعل “شعبا” بالمعنى القانوني والسياسي للكلمة؟ من أشرف على تكوين، وتربية وتثقيف، ورعاية وخدمة وعلاج، هذا “الشعب” حتى استحق بالفعل أن نطلق عليه ما يروق لنا من كلمات حين يروق لنا؟ الشعب صناعة، يقوم بها من يقوم بها، ويتخلى عنه من يتخلى، وليست كلمة خطابية، نستهلكها متى نشاء.
يسهل كثيرا ملاحظة الاستعمال الانتهازي لهذه الكلمات، (الشعب / الأمة / المواطنون…) من طرف جل الفرقاء، فالشعب مظلوم ومسكين حين نريد صوته في الانتخابات، وحين نريد صمته وعدم احتجاجه على تردي الخدمات الأساس التي تخصه، والشعب أمي وغبي وغير عاقل حين يقوم بردود أفعال مشوبة ببعض أو بالكثير من العنف أحيانا.
هل نعرف بالضبط ماذا نقول حين ننطق بهذه الكلمات؟ وهل سبق لنا أن سألنا هذه الأمة أو الجماهير أو ما شئت من التسميات، عن رأيها بالشكل الصحيح؟ وهل يمكننا ذلك بالنظر إلى ما نتواضع عليه من أدبيات، أكثرها غير مكتوب؟ وفي النهاية، هل يحق لنا أن نطلق هذه الكلمات دون أن نحدد ماذا نعني بها بالضبط؟ إن الديمقراطية تعني أيضا، معاني الكلمات




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...