فسحة صيف (1) ،الحافلة،تيزي ن_تيشكا و القمر….

العاصمة بريس_الرباط.

الواحدة بعد منتصف الليل،محطة باب دكالة،ذات ليلة ممزوجة بصباح باكر،حرارة لقاء العديد من الأصدقاء خريجي مركز تكوين المعلمين،سنشد الرحال إلى مدينة ورزازات حيث التعيين الأول،لم أزرها قط،أعرف الطريق المؤدية إليها أكثر من معرفتي لهذه المدينة،تيشكا أو “طريق الموت” كما يطلق عليها عديدون،أسمع عن أحداث و حوادث عن “تيزي نتيشكا”،أحيانا مبالغ فيها…
التقينا،الحافلة التي ستقلنا تنطلق على الساعة الثالثة صباحا،تبادلنا النكت و الطرائف،و كأي مراكشيين،تبادلنا تقيتيقات و كريف الميزان،حماس فوق الحدود،تمنينا لو يجمعنا نفس المكان بورزازات كما جمعتنا سنتا التكوين بمدينة “ابن سليمان”،نشاء ذلك،و لكن الله يشاء…
انطلقت الرحلة،انطلقت معها حياة أخرى،الوظيفة،المسؤولية،المجهول…!تذكرت أستاذا مكونا بالمركز،و عند اقتراب نهاية السنة الثانية من التكوين،ترك مراجع علوم التربية جانبا،و قرر مصارحتنا بحقائق لا بد من معرفتها،نظر إلى وجوهنا “الشبه” البريئة،إلى عيون بريقها يفيض حيوية،فقال:
“اسمعوني مزيان…ودّعوا الضو و الماء الصالح للشرب،ودّعوا مول الحانوت حدا الدار.. قريبا،ستجدون أنفسكم في أماكن لم تروها من قبل،قريبا ستجدون ذواتكم أمام وجوه لم تألفوها،أبواب بيوتكم،ليلا ستسمعون الخنازير تحكها بأنيابها و كلاب مسعورة تنتظر الاختلاء بكم…”..
أحيانا،تضحكنا صراحته، و أحيانا،نأخذها محمل الجد و نستعد لها استعداد الجندي…!
في الحافلة،ما تزال التقيتيقات تحجب صوت هدير المحرك،جل المسافرين من خريجي مراكز التكوين و من مختلف مناطق المغرب،في تلك الليلة،جمعتنا تيزي نتيشكة،بجانبي،جلس خريج من مدينة فاس،أبى إلّا أن يجلس بقربي،قلبه اطمأن لهذه “الكليكة” الغريبة،شبان تخرجوا للتو،لم يحملوا قبعات كما يفعل خريجو المعاهد و يلقونها عاليا،حملنا “طعريجة”،حملنا قلوبنا تنبض بالحياة،و حملنا أملا،ثم حملتنا حافلة فوق جبال الأطلس الكبير،تخط المنعرجات الضيقة بتيزي نتيشكا،طريق لم نتمكن في أول رحلة من معاينة تفاصيلها،الليل،وحده القمر نراه مرة يمينا و تارة شمالا،ليلة بيضاء من ليالي شتنبر 1996،حتى القمر يختفي أحيانا خلف الجبال،و مع ظهوره مرة أخرى،لا يظهر منه إلا جزء يسير،فأدخنة السجائر تغطي الحافلة بماركيز،الپار و الپور،في زمن كان التدخين مسموحا به،قبل ظهور آفة التدخين “السلبي”…
الفاسي،يحرك كفيه،يحاول المسك بأبجديات التقيتيقات،يستفسرني عن كاتب كلماتها و ملحنها،أجيبه أن بهجاوة كُتّاب و ملحنون بالفطرة،بعيدا عن التاريخ و التّأْريخ و المؤرخين،الأهازيج هنا،قد تختلف من حومة إلى أخرى…
جفوننا تأبى النوم،ربما هي لحظة مفصلية و تاريخية،و ربما بعد هذه الرحلة قد تنقطع بنا السبل،ورزازات مدينة شاسعة و مترامية الأطراف،الليلة تجمعنا الحافلة،من يدري،لكن الأكيد أن “مدافع” التعيين ستختلف في التصويب،نستغل كل دقيقة في هذه الحافلة،فالخنازير البرية و الكلاب المسعورة في انتظارنا،بينما ليس في الانتظار “الضّو” و ماء صالح للشرب…
يتبع….
✒️:ذ.السعيد التباع.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...