الرفع من إشعاع علامة “صنع في المغرب” أحد الرهانات الاستراتيجية للنموذج التنموي الجديد

العاصمة بريس
مصطفى الشباني _ أكادير

تعتزم لجنة النموذج التنموي الجديد، أن الرفع من إشعاع علامة “صنع في المغرب” أحد الرهانات الاستراتيجية، مؤكدة على أن تطوّر المغرب رهين بقدرته على تطوير جهاز إنتاجي قادر على أن يقدم للعالم منتجات وخدمات ذات قيمة مضافة، داعية في المقابل إلى إحداث قطيعة مع النموذج الاقتصادي الحالي.
لن يتم الرفع من إشعاع علامة “صنع في المغرب” Made in Morocco، وفق تقرير اللجنة، دون إحداث قطيعة مع النموذج الاقتصادي الحالي المرتكز على “سوق داخلية غير متطورة بشكل كاف وغير مهيكلة، مع انفتاح خارجي يغلب عليه منطق المناولة”.

و يكمن التحدي الاقتصادي للنموذج التنموي الجديد، في تصور واضعي التقرير، في الرفع من كثافة النسيج الإنتاجي بإغنائه بأنشطة ومهارات جديدة، عن طريق تشجيع المبادرة الخاصة وتوجيهها نحو قطاعات ذات قيمـة مضافة، تنافسية وموجهة.

وتتمثل الأهداف الأساسية التي تطمح اللجنة إلى تحقيقها في أفق 2035، في “إحداث قيمة مضافة صناعية ذات تكنولوجيا متوسطة أو عالية، من 28 إلى 60 بالمائة، والارتقاء في ترتيب مؤشر التعقيد الاقتصادي لتصبح المملكة بين أفضل 50 دولة، والرفع من عدد المقاولات المصدرة من 6.000 إلى 12.000، وعدد المقاولات الناشئة ذات النمو السريع من 1.000 إلى 3.000، كما تطمح اللجنة إلى الرفع من عدد براءات الاختراع المسجلة من أقل من 300 إلى 1000 في السنة.

واقترحت اللجنة أن يكون تنسيق المشروع بقيادة رئيس الحكومة، مع أهم القطاعات الوزارية والهيئات العمومية المكلفة بمواكبة المقاولات وبتمويلها وبتشجيع الابتكار وكذا الفاعلين بالقطاع الخاص مع إشراك وزارة الداخلية، والفيدراليات القطاعية، وجميعات المصدرين والجامعات ومعاهد البحث والفاعلين الخبراء لمواكبة المقاولات.

تحرير الإمكانات القطاعية

لم تتمكن المملكة بعد من استغلال الثروة الكاملة لإمكاناتها القطاعية، وفق تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد، التي عزت السبب إلى وجود عدد كبير من الإكراهـات والعراقيل، حيث تواجه المقاولات عراقيل مشتركة بالنسبة لكل القطاعات، من قبيل جودة الرأسمال البشري، والحصول على التمويل، والقطاع غير المهيكل، إضافة إلى تكلفة عوامل الإنتاج، ومناخ الأعمال.

وفي هذا الإطار، دعت اللجنة إلى تثمين الرأسمال الطبيعي، حيث لاحظت في هذا الجانب، غياب رؤية متفق بشأنها وعدم وجود تنسيق بين الوزارات وغياب الالتقائية بين المستويين المحلي والمركزي، كما دعت اللجنة إلى تكوين الموارد البشرية وتأهيلها، في انسجام مع متطلبات سوق الشغل، إضافة إلى تثمين التموقع الجيواستراتيجي للمملكة، حيث أنه “لا يمكن للمغرب استغلال بعض الفرص الإنتاجية بسبب ارتفاع تكاليف عوامل الإنتاج خاصة الطاقة واللوجسـتيك، إضافة إلى تطوير السوق الداخلية، والذي يواجه صعوبة هيكلة الفاعلين على المستوى الداخلي “نظرا لضعف تقنين الأسواق والمنافسة غير المشروعة للقطاع غير المهيكل، والغش والرشوة”، حسب ذات التقرير.

ومن أجل رفع الإكراهات السالفة الذكر، أكد تقرير اللجنة، على ضرورة إرساء تحالف بين القطاعين العام والخاص، على مستوى كل قطاع، حيث أن العديد من الإمكانات القطاعية لا تزال غير مستغلة بالمملكة، بسبب عدم قدرة المتدخلين على العمل سويا حول هدف مشترك بطريقة مستمرة وناجعة.

أداة للتمويل

اقترحت اللجنة في تقريرها، إحداث أداة تمويل مخصصة أساسا للتنويع الإنتاجي في إطار صندوق محمد السادس، من أجل تشجيع المبادرة الخاصة على المضي أكثر في خيار المخاطرة، والاستثمار في أنشطة جديدة.

وسيتمثل دور هذه الأداة التمويلية، وفق ذات التقرير، في الاستثمار المباشر بمشاريع التنويع والارتقاء بالجودة المنجزة من طرف مقاولات القطاع الخاص، حيث ستعهد لها مهمة البحث عن فرص للتنويع بطريقة استباقية وشاملة من خلال مختلف الإمكانات القطاعية المحددة، وذلك مع إعطاء الأولوية للطابع الريادي، في ما يخص استبدال الواردات، والاندماج المحلي، والابتكار، والارتقاء بمستوى النسيج الإنتاجي.

وبخلاف أدوات التنمية القطاعية الحالية، التي تولي الأسبقية لمنطق الدعم، سيتمحور عمل هذه الأداة بالأساس، حول منطق “رأسمال-مخاطرة” (risque-Capital)، وذلك من خلال استثمارات بحصص قليلة في مشاريع منجزة بشراكة مع شركاء خواص، خاصة المقاولات الناشئة والمقاولات الصغيرة والمتوسطة والمجموعات الوطنية الكبرى والمستثمرين الأجانب وشركات المحاصصة.

ووفق التقرير، ستكون الوظيفة الأساسية لهذه الاستثمارات هي تحمل مخاطر المشاريع الحاملة للتحول الإنتاجي، حيث يرتقب أن ويمكن هذا التدخل عبر الرأسمال من “إحداث أثر الرافعة لكي تتمكن المقاولات الشريكة من الحصول على تمويلات إضافية من قبل باقي الفاعلين في السوق” وسيتم تنزيل عمل هذه الأداة في “إطار عملي” بشراكة مع فرق العمل القطاعية ليصبح أداة للتدخل المباشر في النسيج الإنتاجي.

استراتيجية للمواكبة

أفادت اللجنة في تقريرها، أن المقاولات المغربية في حاجة للمواكبة من أجل التطور والحصول على التمويل واستغلال الإمكانات القطاعية التي يوفرها الاقتصاد، وفي هذا السياق، اقترحت وضع استراتيجية وطنية للمواكبة تغطي حاجيات المقاولات بحسب حجمها، ونوعها ومرحلة تطورها.

وحسب ذات التقرير، فإن دعم هذه الاستراتيجية، من طرف صندوق محمد السادس للاستثمار، سيمكنها من خلق برامج للمواكبة تغطي جميع حاجيات المقاولات، مع استهداف المشاريع الحاملة لإمكانات أقوى، حيث يجب رصد هذه الموارد لتطوير نوعين من البرامج، الأولى عامة، تكون متاحة لجميع المقاولات الصغيرة جدا، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، في علاقة بالخصوص مع آليات دعم التمويل، مثل برنامج انطلاقة، أما النوع الثاني فيتجسد في البرامج الموضوعاتية، التي تستهدف أنواع محددة من المقاولات، خاصة فيما يتعلق بالمقاولات الواعدة على مستوى النمو، من خلال الاحتضان، والتصدير، والابتكار، والاندماج المحلي.

وأضاف التقرير، أن هذه الاستراتيجية، ستمكن من السهر على ضمان جودة برامج المواكبة، وذلك من خلال الاختيار الدقيق للمستفيدين، واختيار وتحديد هيئات المواكبة وتحميلها المسؤولية، ووضع آليات للتتبع ولضمان الجودة، إضافة إلى إحداث منظومات اقتصادية جهوية لتسهيل الولوج إلى برامج المواكبة على الصعيد الترابي

نظام للابتكار

يطمح النموذج التنموي الجديد، حسب المصدر ذاته، إلى جعل المغرب بلدا للفرص بالنسبة للمقاولات الناشئة ولكل مقاولة تسعى نحو الابتكار، حيث اقترح وضع “نظام وطني للابتكار” يمكّن من تعبئة جميع الفاعليـن العموميين والخواص حول قضية الارتقاء بالاقتصاد المغربي.

وحسب التقرير، فإن هذا النظام الوطني يمكن أن ينبني على تطوير إطار قانوني وجبائي مشجع لبروز المقاولات الناشئة، حيث ستمكن هذه الآلية للإصلاح بالخصوص من خلق نظام أساسي حقيقي للمقاولة المبتكرة حديثة النشأة، وتكييف الترسانة القانونية المتعلقة بالصرف مع حاجيات المقاولات الناشئة، بشكل مستعجل وملموس، وإحداث إطارات قانونية قطاعية ملائمة للابتكار وإنعاش المقاولات الناشئة.

كما سيساهم نظام الابتكار، وفق التقرير، في تقوية ولوج المقاولات للبحث والتطوير، وفي هذا الصدد، تقترح اللجنة وضع ترسانة من أدوات الدعم المالي للابتكار، منها على وجه الخصوص، آلية طموحة للائتمان للمساهمة في التحفيز الضريبي على البحث لفائدة جميع المقـاولات، وخلق برنامج للابتكار التكنولوجي، يمكن تمويله من طرف صندوق محمد السادس للاستثمار، وتنفيذ برنامج للابتكار التكنولوجي عن طريق دمج مكونات البحث والتطوير في مشاريع استثمار كبرى.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...