الملك والصحراء والمملكة… ثلاثية المجد في مسيرة محمد السادس

العاصمة بريس الرباط ”
العيون/منير نافيع
حين تسجل الأمم سير تحولاتها الكبرى، وتؤرخ لانبعاثها السياسي والتنموي، تكتب الفصول بأسماء الرجال الذين غيروا مسار بلدانهم، وارتقوا بها من العادي إلى الاستثنائي. في المغرب، يبرز اسم الملك محمد السادس، بوصفه قائدا لمسيرة غير مسبوقة في تاريخ المملكة المعاصر، أعادت رسم ملامح الدولة، وجعلت من المغرب قوة إقليمية صاعدة، بثقة راسخة في الذات، وبوصلة واضحة نحو المستقبل.
منذ اعتلائه العرش في 30 يوليوز 1999، أطلق الملك محمد السادس ما يشبه “ثورة هادئة” في عمق الدولة والمجتمع. لم تكن ثورة شعارات ولا قطيعة مع الماضي، بل كانت ورشة إصلاحات عميقة، بدأت بإعادة هيكلة المشهد السياسي والمؤسساتي، مرورا بتكريس العدالة الانتقالية عبر هيئة الإنصاف والمصالحة، ووصولا إلى تمكين الاقتصاد الوطني من مداخل الاستقلالية الإنتاجية والانفتاح الواعي على التحولات الدولية.
خلال عقدين من الزمن، تحول المغرب من بلد يواجه تحديات داخلية وخارجية مركّبة، إلى فاعل وازن في محيطه الإفريقي والأورو-متوسطي، ومرجع في الاستقرار التنموي والديني والدبلوماسي.
في صلب هذا التحول، برز ملف الصحراء المغربية كأولوية سيادية. فمنذ الخطابات الأولى، أكد العاهل المغربي أن “مغربية الصحراء ليست مطروحة للنقاش”، وأن التفاوض لا يكون إلا على تفاصيل الحل السياسي، لا على سيادة الوطن.
بهذا الموقف الواضح، تحركت الدبلوماسية المغربية على أسس جديدة، جمعت بين الصرامة والبراغماتية. وكانت النتيجة: دعم دولي غير مسبوق لمبادرة الحكم الذاتي، افتتاح أكثر من 30 قنصلية في العيون والداخلة، واعتراف أمريكي رسمي بسيادة المغرب على صحرائه في 2020.
ولم يتأخر التحول الأوروبي. ففي 2025، أعلنت فرنسا رسميا دعمها لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، معتبرة إياه “الحل الواقعي والموثوق”، في خطوة عززت الاعترافات الدولية وجعلت المغرب أقرب من أي وقت مضى لحسم الملف نهائيا في المنتديات الأممية.
لم يقف الملك عند تثبيت السيادة، بل حول الأقاليم الجنوبية إلى قطب اقتصادي واستراتيجي. النموذج التنموي الخاص بهذه الأقاليم، الذي أُطلق سنة 2015 بميزانية تفوق 77 مليار درهم، مثل ترجمة عملية لرؤية ملكية تتجاوز الدفاع الجغرافي إلى الاستثمار الإنتاجي.
من بين المشاريع الكبرى: ميناء الداخلة الأطلسي، الطريق السريع تزنيت–الداخلة، مناطق صناعية وتجارية، مراكز جامعية، مستشفيات بمواصفات دولية، ومشاريع ضخمة في الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر بشراكات عالمية.
على امتداد التراب الوطني، تتوالى أوراش البنية التحتية الكبرى: أكثر من 2100 كيلومتر من الطرق السيارة، ميناء طنجة المتوسط الذي بات الأول إفريقيا، القطار فائق السرعة “البراق” كعلامة على دخول المغرب نادي النقل السككي الحديث، وشبكات الربط الكهربائي والمائي العابرة للجهات.
لكن الأهم من البنية، هو التحول الصناعي. المغرب لم يعد فقط بلدا للسياحة والفلاحة، بل أصبح مركزا إقليميا للصناعات المتقدمة: السيارات، الطيران، الطاقات المتجددة، والآن الصناعات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة.
نجح الملك محمد السادس في إعادة رسم تموقع المغرب خارجيا. العودة إلى الاتحاد الإفريقي لم تكن مجرد انخراط شكلي، بل بوابة لقيادة اقتصادية وإنمائية، جعلت من المغرب أحد أبرز المستثمرين في القارة. كما أن توسيع الشراكات مع الصين، روسيا، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، منح المملكة هامشا دبلوماسيا غير مسبوق.
الاعتراف المتزايد بمصداقية الموقف المغربي في قضايا الهجرة، الأمن، المناخ، والسلم، يعكس موقعا دوليا لم يكن متاحا قبل 20 سنة.
لم تغب الرمزية عن إنجازات العهد الجديد. عندما تأهل المنتخب المغربي إلى نصف نهائي كأس العالم 2022، عبر الملك محمد السادس عن فخره العميق بالمنتخب والشعب، وخرج للاحتفال في الشارع، في رسالة قوية عن القرب من نبض المواطن.
كما توج المسار باختيار المغرب لاحتضان نهائيات كأس العالم 2030 رفقة إسبانيا والبرتغال، وهو تتويج لثقة الاتحاد الدولي في البنية التحتية المغربية، وقدراتها التنظيمية.
أما في مجال السياحة، فقد تجاوز عدد الزوار 14 مليونا سنويا، بفضل تنوع العرض وتطوير الربط الجوي والفندقي، خصوصًا بالأقاليم الجنوبية التي أصبحت وجهة رائدة للسياحة البيئية والرياضية.
في عالم عربي مضطرب، وفي محيط إقليمي سريع التحول، اختار المغرب أن يسير بطريق ثالث: لا قطيعة ولا جمود، بل بناء تدريجي لنهضة هادئة، تحت قيادة ملك جعل من الاستمرارية نافذة للإصلاح، ومن الاستقرار قاعدة للتطور.
محمد السادس ليس فقط ملكا بنى الطرق والموانئ والمصانع، بل هو مهندس مرحلة مغربية متميزة، أخرجت المملكة من منطق التبعية، وأدخلتها إلى نادي الدول الفاعلة.
لقد صنع الملك وشعبه ملحمة جديدة في التاريخ المغربي، عنوانها: الثقة في الوطن، والقدرة على الحلم، والإرادة في الإنجاز.