من أجل الحقيقة والتاريخ… نحتاج إلى شهادة بلعيرج أكثر من توبته !

العاصمة بريس الرباط
طارق_القاسمي

“عبد القادر بلعيرج”.. أو بالأحرى “بليرج” (Belliraj) وهذا هو نسبه الحقيقي.. لا يختلف اثنان على أنه كان أخطر قضية إرهابية عرفها المغرب خلال العشرية الأولى من القرن 21 بعد تفجيرات 16 ماي الإرهابية سنة 2003… تَزَعّم مخططا إرهابيا مسلحا بهدف قلب نظام الحكم، تعود تفاصيله وتحضيراته الأولى إلى بداية تسعينيات القرن الماضي، ولولا يقظة يقظة المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (‎#DGST) التي أحبطت المخطط سنة 2008، لحلت كارثة أفظع من التي وقعت في 2003.

أدين بلعيرج بالسجن المؤبد. وبعد مرور 14 سنة، استفاد (سنة 2022) من عفو ملكي، على إثر انخراطه في برنامج “مصالحة” بتخفيض العقوبة من المؤبد إلى 25 سنة، ثم عفو ملكي ثاني بالإفراج عنه بمناسبة عيد الفطر المبارك لهذا العام (2025)، بعدما أعلن بشكل رسمي، إلى جانب مدانين آخرين في قضايا الإرهاب، تشبثه بثوابت الأمة ومقدساتها وبالمؤسسات الوطنية، ومراجعة مواقفه وتوجهاته الفكرية، ونبذه للتطرف والإرهاب. كما تجدر الإشارة إلى أن بلعيرج استفاد من التفاتة إنسانية السنة الماضية (2024) حيث سُمح له بمغادرة السجن من أجل حضور جنازة والدته بضواحي الناظور، في مؤشر على تقدير الدولة للعوامل الإنسانية حتى في أصعب القضايا.

لكن، هل تكفي التوبة؟ هل يكفي الإعلان عن مراجعة المواقف لتُطوى صفحة سوداء من تاريخ الإرهاب في المغرب؟

ما يحتاجه المغاربة اليوم – وخاصة الأجيال الجديدة – ليس فقط تأكيد التوبة، بل شهادة حية تروي التفاصيل التي لم تُروَ بعد. شهادة تضع النقاط على الحروف في واحدة من أخطر قضايا العنف المسلح التي كادت أن تعصف باستقرار البلاد، وتكشف الخلفيات الإيديولوجية، والارتباطات الخارجية، والتمويلات، وأسماء المتورطين والمدانين الذين لازال البعض منهم يصرّ على الكذب وتزوير الحقيقة.

فإذا كان الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة، فإن الشهادة الصادقة هي نصّها الكامل. فالحكم يُعلن الحقيقة باسم القانون، أما الشهادة فتُعلنها باسم الضمير والتاريخ.

لقد سبق بلعيرج كثيرون ممن تورطوا في الإرهاب وأعلنوا توبتهم، سواء من أدينوا معه في قضيته ومن كانوا على صلة به في ملف “حركة المجاهدين في المغرب”، أو غيرهم من المتورطين في قضايا إرهابية أخرى، لكن ما جعلهم جزءًا من الحل بدل أن يبقوا جزءًا من المشكلة، هو شجاعتهم في الاعتراف، وحرصهم على الإدلاء بشهادات للتاريخ، حتى تُفهم الظاهرة من جذورها، ولا يتكرر المسار نفسه مع آخرين.

من هنا، فإن أسمى ما يمكن أن يقدمه عبد القادر بلعيرج بعد خروجه من السجن، ليس فقط التوبة، بل المشاركة الصادقة في كشف الحقيقة، بكل تجلياتها وتشعباتها… وهنا يظهر دور الإعلام الوطني الحقيقي الذي يجب عليه تحمل المسؤولية في السعي إلى إخراج هذه الشهادة وتوثيقها، وتقديمها للرأي العام كدرس في التاريخ، وكمصدر لفهمٍ أعمق لظاهرة التطرف والإرهاب وعدم ترك الفراغ أو الفرصة لأشباه إعلاميين وصحفيين وحقوقيين -تاجروا بالملف- للسطو عليه والمتاجرة به مرة أخرى… والأخطر أن يقوموا بتزوير الحقيقة والتاريخ.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...