السردين في المغرب: من غذاء الفقراء إلى حلم الأغنياء وسط أزمة ندرته

العاصمة بريس/الرباط
لطالما كان السردين جزءًا أساسيا من المائدة المغربية، حيث شكل غذاء يوميا للطبقات الشعبية نظرا لوفرة مصايده وسعره المناسب. لم يكن مجرد طعام، بل رمزا للهوية الغذائية المغربية، ومكونا رئيسيا في أطباق مثل “السردين المشوي” و”الطاجين”. بالإضافة إلى ذلك، كان السردين مورد رزق لآلاف الصيادين والتجار، وساهم بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال صادراته.
في الآونة الأخيرة، شهدت السواحل المغربية نقصا حادا وغير مسبوق في وفرة سمك السردين، مما أثر سلبا على نشاط الصيد البحري ورفع أسعار الأسماك في الأسواق المحلية. يعزى هذا التراجع إلى عدة عوامل، أبرزها الاستنزاف المفرط للثروة السمكية من قبل مراكب الصيد الوطنية والأجنبية، خاصة الروسية، بالإضافة إلى تأثير التغيرات المناخية وارتفاع درجات حرارة المياه إلى ما بين 21 و23 درجة مئوية. هذا الارتفاع في الحرارة أثر على تكاثر السردين وهجرته، مما أدى إلى انخفاض المخزون السمكي.
في محاولة لمعالجة هذا التراجع، تم تطبيق فترة “الراحة البيولوجية” على السواحل الجنوبية للمملكة، بهدف منح الأسماك فرصة للتكاثر واستعادة مخزونها. ومع ذلك، لم تحقق هذه الفترة النتائج المرجوة، حيث استمر نقص السردين في الأسواق المحلية، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ.
هذا النقص الحاد في السردين أدى إلى ارتفاع أسعاره بشكل ملحوظ، حيث قفزت الأسعار في بعض الأسواق إلى ما بين 25 و30 درهما للكيلوغرام، مما جعلها بعيدة عن متناول الأسر ذات الدخل المحدود. كما أن غياب السردين عن العديد من الأسواق المحلية أثار قلق المستهلكين والمهنيين على حد سواء.
إن استمرار ندرة السردين يشكل تهديدا حقيقيا للأمن الغذائي والاقتصاد الوطني، خاصة وأنه كان يعتبر غذاء أساسيا للطبقات الفقيرة والمتوسطة. لذلك، أصبح من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على هذه الثروة البحرية، من خلال تشديد الرقابة على أنشطة الصيد، واحترام فترات الراحة البيولوجية، ومواجهة التغيرات المناخية بفعالية. فالسردين الذي كان يوما ما غذاء الفقراء، أصبح اليوم حلما يراود الجميع، مما يستدعي تضافر الجهود لضمان استدامته وحمايته للأجيال القادمة.

