تحليل قصيدة ” عابرة” للشاعر أحمد عبد المعطي الحجازي .

تحليل قصيدة ” عابرة” للشاعر أحمد عبد المعطي الحجازي .
الثانية باكالوريا أدب وعلوم إنسانية.

ملاحظة: ( هذه الأسطر الشعرية مقتطفة من ديوان الشاعر وهي غير مرتبة.

قلم ذ : زكرياء الكركوري

عرف الشعر العربي الحديث في الدراسات الأدبية المعاصرة بعدات سمات أبرزها شعر التفعلة أو الشعر الحر ،أوالشعر الحديث ، أوالشعر الجديد، أو شعر المراسلة… وقد تناسلت مجموعة من الظروف والعوامل التي تفسر الإبدالات التي مست بنية هذا الفتح الشعري الجديد ، ولعل أبرزها أحداث ما بعد الحرب العالمية الثانية وما رافقها من حركات تحرر ترنو إلى التحرر والديمقراطية والعدالة ثم ضياع فلسطين زمن نكبة 1948 الذي جعل الشاعر المعاصر وسط اليقظة المفزعة للحقيقة المرة التي حملتها رياح الأزمات والحروب والأوضاع السياسية المتأزمة على المنطقة العريية، بالإضافة إلى انفتاح الشاعر على الآداب العالمي خصوصا الثقافات الغربية والشعر ، وكذا الشعر العربي. وتخد شعر التفعلة شكلا طباعيا جديدا يختلف عن الشكل الطباعي للنظام الشطرين ،فعتمد الشاعر أسطرا شعرية متفاوتة الطول والعدد، حيث استعمل فيها معيارا قديما للقصيدة يحقق الانسجام بين الأسطر الشعرية على حسب الدفقة الشعورية. ومن أهم رواد هذا الاتجاه الشعري الجديد الشاعرة و الناقدة نازك الملائكة ثم الشاعر بدر شاكر السياب بالإضافة إلى عبد الوهاب البياتي، وعلاوة على ذلك صاحب هذه القصيدة أحمد عبد المعطي الحجازي الذي تنوعت تجربته بين الأدب والكتابة والصِحافة، لكنه في كل ذلك اصطبغت قصائده بالسياسة والأيديولوجيا في مداركه ومعاركه مما يجعل كل خلفياته تجري اللاشعوريا داخل نواة كل قصيدة معبرا في ذلك عما يدلهم به صدره من أحاسيس تعبر عما عاشه من تجارب داخل المجتمع بصفة عامة وداخل نفسيته بصفته خاصة،
ومن خلال العنوان ودلالته وأول النص وآخره نفترض أن موضوعها هو أزمة الشاعر العابرة وهذا يجعل القصيدة في خطاب تكسير البنية.
إذا فما هي مضامين القصيدة؟ و ما الحقول و المعجم المرتبط بها؟ وما الخصائص الفنية المكون لها؟ وإلى أي حد استطاع الشاعر أن يمثل خصائص الشعر الحر؟

من حقائق علم النفس أن القصيدة في الشعر الحر لها دلالات رمزية تبين تأزم الشاعر جراء ما يعيشه في المجتمع ، ربما العنوان نعتبره عتبة لذلك ( عابرة) فمن الناحية التركيبية يفضي العنوان أنه عبارة عن كلمة واحدة وهي كلمة اسمية نفتتح النص بها؛ بحيث يمكن أن نقدر ذلك في أنها محنة عابرة، لذلك التقدير أنها خبر لمبتدأ محذوف وجوبا، أما من الناحية الدلالية فهي فعلا تبين أن الشاعر يمر في محنة متأزمة لكن اعتبر هذه المحنة هي عبارة عن سحاب يشق الطريق وهو تصوير فني بحيث أن لكل بداية نهاية وفي كل أزمة لا بد بعدها الانفراج والسكينة، وهذا ما تنشده مضامين القصيدة ؛ إذ أنه في القصيدة نجد ذات الفكرة وقد تمحور حولها شاعرنا وهو الجائع إلى امرأة في مدينته التي ضاع بين أزقتها وقد تشير إلى غربته في المرأة و غربته في المدينة، إنه يعلم علم اليقين من أن هذه الغيمة ليست غير عابرة في سمائه وسوف تسير إلى حيث لا يدري . سؤاله هو على من ستهوي ممطرة هذه الغيمة ، أما النقطة المهمة في المقطع الثاني هي مرت بلا كلام وضاعت في الزحام المدينة الذي هو الآخر قاد ضاع في متاهته . الشاعر حزين على تظافر جهود القدر لإظهار ما سرعان يغيب من الوجود، أما المقطع الأخير يبين أن الشاعر يقع في النرجاسية المفرطة حيث يرى ذاته محور الوجود وأنه هو المقصود بهذه الهدية الآتية من عوالم الغيب وأعمق المجهول .
وعلى هذا الأساس فإن القصيدة أولا بين معجمين معجم بسيط( كلام، الزحام ، الندي…) ، ثم معجم قد يبين أنه معجم صعب ( الأنسام، سواح، تنكأ) والعلاقة بينهما علاقة سببية حيث المعجم الصعب قد أعطى ميزة على القصيدة ، وهذا ما جعل المعجم البسيط الذي يميل إلى لغة الحديث اليومي ،أما الهيمنة فهي طبعا للمعجم البسيط مما يجعلها ذات خاصية طابع شعري جديد. وتماشيا مع هذا الأخير استعمل الشاعر حقليين دلاليين ، حقل دال على التأزم( عابرة، غيمة،ممطرة، بلا كلام،اللهيب، الجراح…) ، وحقل دال الغزل( عطرها، الطيب، الأنسام، الوفي، قبلتها…). والعلاقة بينهما هي علاقة سببية هي التي توضح معاناة الشاعر جراء غربته في المرأة، أما الهيمنة فهي للحقل الدال على المعاناة الذي ترجمها في أنها ( أزمة) عابرة. كما نعرج على الوظيفة التي جعلت الشاعر يستعمل كلا من المعجم والحقول وهي وظيفة معجمية تأتيتية.
وطبقا لما سبق، فقد انتظمت الصور في هذه القصيدة إذ تناسلت كل التشبيهات والمجازات داخل هذه الثنائية المتجاذبة، ففي المقطع الثالث ( لو أنني ساحر) ، هنا استعمل التشبيه المرسل حيث شبه نفسه بالساحر ، فالمشبه هو الشاعر و المشبه به هو الساحر فغاب وجه الشبه و أداته مما يجعله تشبيه مرسل .
أما الاستعارة تجلت في المقطع الأول ( كيف تمر هكذا بلا كلام) ، هنا القول المنسوب للغيمة فجعلها عبارة عن إنسان وهي استعارة مكنية لأنه غاب المشبه به ؛ لأنه لا يمكن للغيمة بأن بالكلام.
إن الشاعر قد وظف بنية بلاغيّة خرقت المألوف التصويري، إذ عمد إلى تكثيف صوره بشكل تشكيلي ينسف التخوم المتواضع عليها، ويشيّد توجها تصويرياً ذا طابع انزياحي، ثم إنه يلجأ إلى الرمز ليفجر لغته على عوالم دلاليّة مترامية، وهذه سمة من سمات تكسير البنية في القصيدة الحديثة، أما الرمز فقد شكل أفقا قوية داخل القصيدة ولعل أبرز مثال هو عنوان القصيدة ( عابرة) فهو رمز يدل على معاناة الشاعر أو معاناة الأمة التي وقف عليها الشاعر أدونيس فكان كلا منها يعبر عن تزعزع الأمة العربية و تشتتها ،أما وظيفتها إن كان التصوير في القصيدة القديمة الخاضعة للعمود الشعر هي وظيفة جمالية فإن القصيدة الحرة تغوص في صورتها إلى ما هو أعمق من ذلك لتشكل في وظيفتها وظيفة دلالية تعبيرية .
أما من الناحية الإيقاعية، فقد نظم الشاعر قصيدته على وحدة التفعيلة (مستفعلن) والتي تم توزيعها على جسد القصيدة حسب الدفقة الشعورية، مراعياً بذلك الوقفة العروضية ومتجاوزاً الوقفة الدلالية، وهذا يتراءى في المقطع الأوّل إذ راعى الشاعر الوقفة العروضية عند نهاية كلّ سطر دون أن تكتمل المعاني الممتدّة من السطر الأول إلى السطر السادس. هذا فضلاً عن تنويعه للأرواء والقوافي.
هذا من جهة الإيقاع الخارجي، أما فيما يخص جهة الإيقاع الداخلي؛ فقد استخدم الشاعر إيقاعاً خارجياً ينهض على التكرار الذي يشكل طابع قويا في القصيدة الحرة وهو من الإيقاع المحتشم ، حيث نبدأ أولا تكرار الحرف أو الصوت وأول حرف يتكرر هو حرف ( م، ع،ن، ة) وهي حروف الجهر وهي تدل على تأزم الشاعر ومعاناته جراء ما يعيشه. أما تكرار الكلمة تجلى في ( عابرة، كيف، وبعض الضمائر الدالة على ذات الشاعر …)، أما تكرار الجملة( لم تكن إلا…). كما شكل التوازي في المقطع الثاني ( كيف تمر هكذا بلا كلام/ كيف تغيب في الزحام)، وهو توازي تركيبي غير تام. أما الجناس غير تام في كلمتين( سواح،الجراح) وهو جناس غير تام وهو جناس المضارعة. ونجد كل من الإيقاع الداخلي والخارجي لهما وظيفة إيقاعية موسيقية.
ونؤكدّ، هنا، أنّ الشاعر نسف البنية العروضية الخليلية محيلاً إياها إلى ركامٍ متنافرٍ من الجزئيات الإيقاعية التي تبدو، للوهلة الأولى، فوضى عارمة، بيْد أنها ليست فوضى، بل إنها تنظيمٌ جديدٌ لوحدات الإيقاع، تنظيم نابعٌ من داخل الشاعر لا من خارجه، وبهذا نكونُ أمام قصيدةٍ تسعفُ الدفق الشعوري الباطني، وتتركب وفق منطقٍ جديد في الرصف والتنضيد والسبك. إنها قصيدة التفعيلة الواحدة لا البحر، تفعيلة لا تأبه لضوابط العروض ولا لمستندات وحدة القافية والروي. وبالتالي نقرُّ بأن قصيدة “عابرة” قصيدة تكسر البنية الشعرية القديمة.
ولذلك لجأ الشاعر إلى توظيف مجمُوعة من الأساليب الخبرية داخل القصيدة تتجلى في ضمير المتكلم ( علي، لي، أنا، الوحيد، أنني) وهو أسلوب يدل على الخبر داخل القصيدة وقد يدخل في أضرب الخبر وهو الخبر الابتدائي حيث يأكد الشاعر بضمير المتكلم وهو من مؤكدا الخبر. أما الأساليب الإنشائية تتجلى في أسلوب الاستفهام الذي طغى داخل القصيدة وشكل منعطفا داخل القصيدة في دلالتها ( كيف تمر/ كيف تغيب/ لماذا مرت علي؟/). كما ظهر أسلوب النداء( يا ويلتا)، وكل من الاستفهام و النداء يدخلان في الأسلوب الإنشائي الطلبي، أما غير الطلبي كذلك تشكل داخل القصيدة واتضح في أسلوب التعجب( وتنكأ الجراح!/ على اللهيب!/ لكنني عاقل!) ، أما الهيمنة كانت للأسلوب الخبري الذي رسمه الشاعر في ضمير المتكلم وهو يحاول أن يخبرنا عن تجربة المعاناة.

وختاما فإن الشاعر أحمد الحجازي تميز لونه داخل شعراء القصيدة الحرة ، لابد الوقف عند أشعاره وتذوق أساليبها وتجربته داخلها ، وخير نموذج هو قصيته ” عابرة” ، التي اتسمت بجميع سمات القصيدة الحرة من خلال مضامينها المعبرة ودلالتها القوية ، أما المعجم شكل بنية رصينة داخل قصيدته، أما البنية الفنية تشكل بداوةً مع الصورة الفنية ودلالة الرموز داخل القصيدة، كما كان الدور الكبير للإيقاع بفرعيه الخارجي والداخلي، أما الأساليب كانت بشكلية جديدة نبعت فيها ذاتية الشاعر المتأزمة جراء ما يعيشه، وعلاوة على ذلك فإن موقفي اتجاه هذه القصيدة هو يبدأ ببعض العبارات التي لها عمق فلسفي تحتاح إلى الفهم والإدراك والوعي بالقضايا التي يعيشها المجتمع من نكبات ونكسات، تحتاح إلى دلالات للوقوف على رموزها على اعتبار أنها مفاتيح القصيدة ، كما نشير أيضا في اتجاه آخر أن القصيدة حمالة الوجوه ، قد نضعها في غربة ، وفي غربة بين العالم والعالم الآخر ، هذا ما يجعل الشاعر قد مثل الاتجاه أحسن تمثيل.




شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...